دولنا خزانات كبرى للنظام الرأسمالي!

يعترض الاقتصادي الفرنسي الشهير فرانسوا بيرو على نظرية كينز، ويلتفت إلى نقطة هامة سقطت أو هوت في الفكر الكينزي، وهي الإمكانات التي تقدمها البلدان النامية والتابعة في مواجهة أزمات نقص الطلب التي تعوق استمرار تراكم الرأسمال في البلدان الرأسمالية الصناعية. فيقول: إن نظرية كينز، كما هو معلوم، تتعلق أساساً باقتصاد مغلق، ولم تقحم نفسها في إشكالية نمط العلاقة القائمة بين البلدان الرأسمالية والبلدان المتخلفة التابعة، التي تشكل  (خزانات كبرى) للنظام الرأسمالي.

ويؤكد هذه النقطة الاقتصادي العربي د. رمزي زكي ويسترسل: (الغزو المبكر للرأسمالية العالمية لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية قد وفّر للرأسمالية في فجر نموها أحد العناصر الهامة في التراكم البدائي للرأسمال، ثم وفّر لها، في مرحلة أخرى، استغلال عنصر العمل الرخيص والمواد الخام بأبخس الأثمان، وفتح أمامها أسواقاً ضخمة لتصريف فائض منتجاتها الصناعية، وتصريف استثمار فوائض الرساميل في مجالات مرتفعة الربح). من هنا تأتي أهمية طبيعة العلاقات بين الشمال والجنوب، حتى بعد استقلال الجنوب السياسي، أدّت تصرفات الأنظمة السائدة وممارساتها إلى تكريس هذه العلاقة المأزومة.

منذ بداية هذا القرن، هناك تزايد في الأزمة الاقتصادية العالمية (الهيكلية)، إلى وقتنا الحاضر، ونلمس ونلحظ آثارها في الإفلاسات والتهاوي للمصارف، وزيادة استقطاب كبير في الرساميل العالمية، وزيادة معدلات البطالة والتضخم، واضطراب أسواق النقد الدولية، وأزمات النفط والطاقة، وظهور قوى جديدة على الساحة الدولية (روسيا والصين)، مما أدى إلى البحث عن شكل علاقة جديدة مع هذه القوى وغيرها من دول الجنوب.

حالياً، وبالمقاربة بين أزمة السبعينيات من جهة، والأزمة الحاضرة في الدول الرأسمالية ودول الجنوب من جهة ثانية (السياسية والاقتصادية)، نرى أوجه التشابه في عمق الأزمة الاقتصادية العالمية، أزمة الرأسمالية في نمو الطلب واستمرار تطوره، والتي منها تأكدت فكرة الاقتصادي (فرانسوا بيرو) أنه في البلدان الحديثة والمتأخرة (الدول النامية) توجد خزانات كبرى يكمن فيها طلب احتياطي كبير، تعدُّ بنظر الرأسمالية الحل الأخير الخارجي الذي سوف تخرج بوساطته من أزمتها الهيكلية، بعدما فشلت تحركات الحل الداخلي فيها، والتي تمثلت ب تطبيق نهج الليبرالية الجديدة بكل صيغها، والوصفات النقدية وعمليات التقشف والاستعانة بدور الأموال الدولية (المصرف والصندوق الدوليين)، وتأمين فاعلية مطلقة لقوى السوق والحرية الفردية… وكما يحلل ويستنتج الدكتور رمزي زكي، في مثل تلك الأزمات، أن الحل الوحيد للخروج بالرأسمالية من أزمتها هو، إعادة احتواء العالم الثالث، أي إعادة فتحه من جديد من خلال خلق مناخ موِّات فيه لزيادة معدلات الربح على الصعيد العالمي، حيث يكون المناخ قادراً على جذب نشاط الاستثمارات الأجنبية المباشرة عند مستويات عالية للربح وخدمة تحويلات عوائدها إلى الخارج، فضلاً عن دعم قدرة البلد على دفع ديونه المتراكمة (المفتعلة بالحروب والدمار).

علاء غرز الدين

المراجع:

د. رمزي زكي، الليبرالية المتوحشة.

فرانسوا بيرو، هذه هي الراسمالية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024