أحزان مثقف عربي

هل القول إن الثقافة ليست امتيازاً بحد ذاتها ولكنها نمط حياة، يشي بترف فائض ورومانسية مستهلكة؟!

سؤال  ربما  يكتنز إجابته مواربة وتصريحاً، لا سيما إذا وقف المرء في واحدة من البرهات الفلسفية  الوجودية (لمدارات) مثقف عربي (يتشاءل) على طريقته الخاصة وهو يقارب انصراف عام 2012 إلى الماضي وكأنما هو الحاضر والمستقبل تماماً.

 وبمعنى آخر فإن شاعراً وفيلسوفاً بوزن أدونيس، وهو يسائل الروائيين ويفارقهم في آن معاً إذ يقول: (يقول الفيلسوف الرواقي: (ما يناسبك أيها العالم يناسبني) لنجده في ذروة سؤال إضافي: من أيبن تجيء القدرة عند الإنسان على القبول بهذا القول، أو الإيمان به والحياة وفقاً له؟

يتابع أدونيس: أوه كلا، كل ما يلائمك أيها العالم، لا يلائمني)!

ومن اللافت أن يختم أدونيس  تلك المقاربة للموت، والثقافة، والإنسانية والأخوة السائدة، والاختلاف، والآخر، ومعيارية التجربة والخطاب، و… بالقول: (عام 2013 هو بالنسبة إلينا كمثل العام الثالث للهجرة، أو الثالث عشر، أو العشرين، لا فرق واسمعوا وعوا: كل عام مقبل والماضي بألف خير)!

حزن أقل، وأمل يتوكأ على طلّة الفجر الأولى، لكنها الأحزان قد غدت بقصد أو بغيره، الاسم الحركي للمواطن العربي، وقبل أدونيس لطالما نظر كولن ولسن صاحب (اللامنتمي) من ثقب ضيّق، وحطّم وليام فوكنر صاحب (الصخب والعنف) ساعته. غير عابئين بالعالم وبالزمن، تلك طريقة في هندسة الألم وجعله ممكناً، فهل ولد الإنسان بكاّءً؟

 لا أحد تقريباً يسعده الألم، ولكنه يولد معه يقاسمه خضاب دمه وجيناته، فكم من أنين ناحل، ما زلنا نسمعه ونصغي لمثقفي الأمل المستحيل، أولئك الذين التقطوا اللحظة بشغاف القلب وعيون العقل ولم ينأوا سوى من هزيمة الروح.

 من أين يأتي المنجمون؟!

في وداع عام واستقبال عام جديد، مهادٌ خصب للمنجمين والفلكيين، وجيوش المحللين الاستراتيجيين، نجوم الليلة الأخيرة من السنة يعزفون على أوتار القلوب المكلومة، ينثرون حبر الأمنيات، يحذرون. لكأن الأمل عجينة تتلوى بين الأصابع الماهرة والألسنة الحاذقة، ننتظر قراءة الطالع والحظ والطريق إلى الثروة، أما حظوظ الحب والزواج والارتباط فحدّث ولا حرج، ناهيك بفقه الكوارث والاغتيالات وتسونامي العلاقات الزوجية، واضطراب البورصة  بورصة الصداقات، بتنا  وهذه من سخريات الأقدار  نحتاج إلى التنجيم لنعرف ماذا ينتظرنا، باتت صناعة (الوهم الجميل) قدراً مشتركاً للحالمين، وبنكهة أنثوية تجعل حياتنا أكثر احتمالاً، وألغامنا وراءنا، لنبرع في ضحكات تراجيدية ونرتشف عسل أيام قادمة، لا نكترث لما يمزج بها، فقط ينفرج أفق بعيد، من قال إن ثمة أوهاماً متلفزة أو مقروءة أو مسموعة.

فإن أصابنا الحظ، هلّلنا لتلك العبقريات التي أجادت قراءتنا، وإن خاصمنا الحظ قلنا على استحياء: (كذب المنجمون ولو صدقوا)!

ولسان الحال يقول: أطل علينا  أيها الأمل  طيف أمل، كيفما شئت، أطل ففي انتظارك ما لا يحصى من قلوب تتوق لأن تبصر وتحدّث زمانها بما رأت، وبما لم تر. المثقفون ينأون بتشاؤلهم، والشعراء يفترشون الغيوم على قلق كأنما الدنيا دونهم، وتلك التي أنزلت كلبها المدلّل على مهل من سيارتها الفارهة، لم تلتفت حقاً لأمتار قليلة حيث عائلةٌ تفترش الأرض وترنو للسماء أملاً بكسرة مطر تبلّل أيامها القادمة، صمت المنجّمون على ربما، وربما!

العدد 1107 - 22/5/2024