ما أثر الصناعات الحربية على الأزمة الرأسمالية العالمية؟

إذا تفحصنا تموجات الصناعة ودخولها الأزمات في العقود الأخيرة، فعلينا في نفس الوقت، النظر إلى أهم صناعة من صناعات الرأسمالية، وهي الصناعة الحربية في العالم. فبينما الدوائر المختلفة للصناعات، تدخل مرحلة الركود هنا وهناك، تتوسع سوق الصناعات الحربية في نفس الوقت، الأمر الذي سيؤثر تأثيرًا إيجابيًا على مجرى الأمور بالنسبة للرأسمالية العالمية إلى أجل غير مسمى. فالازدهار في هذه الصناعة الرأسمالية المتميزة يعني -دون شك- حماية الاقتصاد العالمي من الانهيار السريع.

إن الاختلال الناتج من انعدام الطمأنينة في تأمين أسواق لتصدير المنتجات الصناعية وتموجات أسعار المواد الأولية، قد سببا التموجات والركود في التجارة والصناعة في كل المعمورة. وسوف تتراكم الفوائض في المنتجات في مخازن التجار في كل مكان. ولا تزال الصناعة على العموم تواصل سيرها المختل باستثناء الصناعات الحربية. فالطلب الكبير لمنتجات هذه الصناعة المدمرة في الأسواق العالمية -وهي تحسب بين أكبر الصناعات في العالم الرأسمالي- قد يزيد الازدهار في هذه الأعمال التجارية في العالم المعاصر، الأمر الذي قد يؤمن الارتفاع في المعدل العام للربح رغم ميله إلى الانخفاض في الدوائر الإنتاجية الأخرى. وفي حين يزحف وباء الأزمة نحو كل الصناعات الأخرى فإن بين أيدينا أمثلة واضحة على تطور الصناعة الحربية في الدول الرأسمالية، باستثناء بعضها التي بدأت بالاختلال مثل فرنسا، وهي بداية زمن تصاعد المزاحمة في هذا المجال أيضًا.

وهكذا، فلا يزال التطور في تسويق المنتجات الحربية، عاملاً آخر من العوامل التي تحمي الرأسمالية من الجمود الصناعي العالمي، رغم أن هذه الحالة لم تخلِّف أي أثر إيجابي على ما يحدث من تفاقم التناقضات الداخلية للإنتاج، بل يسبب التأخير في الانفجارات العنيفة على المستوى الأممي. فرغم الاختلال في التوازن التجاري والاقتصاد الأمريكي المزعزع، تعد صناعة الأسلحة وتصديرها، من أهم المنتجات الصناعية المضمونة حتى اليوم، لقد وصلت الولايات المتحدة الأمريكية في تصدير الأسلحة والرادارات المراقبة وخدمات الأسلحة وأجور الخبراء إلى رقم قياسي، إذ بلغت مبيعاتها الإجمالية 4,21 مليار دولار في عام 2010 وإلى 3,66 مليار دولار عام ،2011 حسب (نيويورك تايمز) وهي صحيفة يومية أمريكية. وتأتي روسيا في المرتبة الثانية في مبيعات الأسلحة، إذ إنها وصلت إلى 8,4 مليار دولار. والسبب هو إيجاد توتر في منطقة الخليج، مما دفع الإمارات إلى شراء الأسلحة الأمريكية بقيمة 49,3 مليارات دولار، والسعودية بقيمة 4,33 مليار دولار. وهكذا بلغت الحصة الإجمالية في هذه التجارة المتميزة في الدول الصناعية النامية 5,71 مليار دولار، 3,56 منها دفعت للولايات المتحدة. وهكذا، حققت هذه الشركات زيادة عجيبة في أرباحها بلغت 8,14 مليار دولار، أي بمعدل 8% بالمقارنة مع عام 2008.

أما الشركات البريطانية فحققت 4,33 ملياراً، ومبيعات المجموعة الأوربية وصلت إلى 16 ملياراً، والمجموعة الإيطالية إلى 3,13 ملياراً. وعدا ذلك، فهناك 33 شركة أوربية تنتمي إلى ألمانيا وفنلندة والنرويج والسويد وإسبانيا وفرنسا وسويسرا، حققت أرباحًا هائلة. كما حققت شركات آسيا والشرق الأوسط، وبضمنها إسرائيل والكويت وتركيا 24 مليار دولار. وإن صادرات الصين من الأسلحة المقاتلة المتقدمة، تهدد التوازن العسكري في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، كما في دعم كوريا الشمالية حتى في برنامجها النووي .

وهكذا، فالانتعاش في الصناعات الحربية، سيكون فريدًا من نوعه بعد نهاية ما تسمى الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. واليوم هو يوم التحضير لقوى التدمير، فالصناعات الرأسمالية الأخرى مثل الألكترونيات، والكيمياويات، والسيارات، تتقلص تحت ضغط المزاحمة العالمية، بينما تجارة الصناعات الحربية تتقدم في العالم أجمع، فالوطن وانتعاش الاقتصاد الوطني ثم الأمن القومي، يتوقف الآن على تطوير صناعات تدمير العالم، تدمير الفوائض الإنتاجية والأيدي العاملة، تدمير البشرية على العموم. فما تطوير الصناعة بالنسبة للرأسمالية ان لم تكن وسيلة لتطوير الأسلحة في زمن السلم، لغرض استخدامها في زمن الحروب؟ فالعالم يواجه فترات خطيرة بعد كل تقدم زمني في الاقتصاد العالمي، فكل تطور رأسمالي، لا بد أخيراً أن يجلب الوباء، وهذه هي الطبيعة الرجعية لحياة الطبقات المسيطرة في التاريخ البشري. فالطبقة المسيطرة لا ترى في التطور سوى وجودها الخاص وثباتها المستمر. فنحن نعيش في عصر يحتاج إلى شركات الإنتاج والخدمات العسكرية، ومقاولي الأسلحة المدمرة، واللاعبين القادرين على مواصلة بيع الأسلحة.

وهكذا، فرغم تقدم الأزمة الاقتصادية العالمية، فما زال هناك حافز للتوازن في الاقتصاد العالمي بسبب التوازن في الصناعة الحربية التي تتقدم من جديد نحو مقدمة المسرح، وهي لا تزال بعيدة عن الركود. فالحروب والتوتر الأخير في أفغانستان والعراق وايران، وتشجيع النزاع الايراني – الإسرائيلي، لم تكن سوى وسيلة لتوسيع أسواق بضائع رأسمالية من نمط خاص.

فحين يرتفع مستوى الفقر والبطالة والمجاعة في العالم، فالإنفاق العسكري يرتفع إلى أعلى مستوى، وهو على الأرجح، آخر وسيلة للنجاة من مأزق الأزمات. فقد قدّر الأمين العام للأمم المتحدة الارتفاع في الإنفاق العسكري مؤخرًا بترليونات من الدولارات، وهو يزيد يومًا بعد يوم. فالإنفاق العسكري العالمي في الدبابات حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام زاد بنسبة 45% من حيث القيمة، وظلت الأسلحة ترتفع كل سنة من السنوات العشر الأخيرة، خاصة في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية. ومن المنفقين الكبار على الأسلحة في العالم، يمكن ذكر: الولايات المتحدة (607 مليارات دولار)، والصين، (85 مليار دولار)، وفرنسا (7,65 مليار دولار)، وبريطانيا (3,65 مليار دولار)، وروسيا (6,58 مليار دولار)، وألمانيا (8,46 مليار دولار)، واليابان (3,46 مليار دولار)، وإيطاليا (6,40 مليار دولار)، والسعودية (2,38 مليار دولار)، والهند (30 مليار دولار). ولكي لا ننسى أوربا الشرقية، فقد وصلت الزيادة في القيمة الحقيقية للإنفاق العسكري في السنوات العشر الأخيرة إلى 174% بالمقارنة مع العام الماضي، وشمال إفريقيا إلى 94%. والغريب أن كل الحكومات تتحدث عن العجز في الميزانية وتشجيع سياسات التقشف وتقليل أبسط الخدمات الاجتماعية في كل مكان، يعني قطع وسيلة حياة الفقراء لأجل تطوير وسائل مدمرة للحياة.

وهكذا، فحين يبدأ الفائض الإنتاجي-ولابد أن يبدأ الفائض في هذه الصناعة المتميزة أيضاً، صناعة التدمير- فآنذاك، تتوصل مغامرات الرأسماليين قمتها، فما زال في مستطاع الأمم المتحدة، حل بعض المسائل المتعلقة بالوضع الراهن بصورة أخوية بين الرأسماليين فيما يخص توزيع الأسلحة. ولكن حين تهبط أرباح السلام، تفكر الرأسمالية بالضرورة بأرباح الحروب. واليوم يتوقف التجار وبائعو ومقاولو الأسلحة في مقدمة المناقصات. فلصناعة الأسلحة أهميتان: التوازن الاقتصادي نسبيًا في الوقت الحاضر، بفضل إيجاد الأسواق لبضائع الموت، وتدمير الفوائض غداً. وأثناء تقدم الحركة الاشتراكية التي تهدد مصالح هؤلاء الذين لا يفكرون إلا بالأرباح في زمنَيْ الحرب والسلم. وسوف نسمع مرة أخرى الصوت الصاخب للطبقة التي في يدها رسالة للعالم: فلتسقط الرأسمالية ولتعش الاشتراكية!

 

(*) نقلاً عن مركز الدراسات والأبحاث الماركسية واليسار

العدد 1105 - 01/5/2024