آداب فيسبوكية

لشبكة التواصل الاجتماعي (بروتوكولات) نوافق عليها قبل اشتراكنا فيها، كشرط لوقوعنا في الشرك بإرادتنا وبحرية شبه مطلقة، دون أن تستطيع الفكاك منه بسهولة والتنصل من العلاقات التي نؤلفها، وتأخذ هيئة مشاريع لأفكار تبحث في الوجود عن الوجود لا بد من إنجازها، فنغوص نكتشف الحياة أكثر سابحين في سماوات غائرة مزدحمة بالنجوم.

محير هذا الذي حصل مع صديقتي على شبكة التواصل الاجتماعي التي تحمل معناها حرفياً، كأنها أرضية لا افتراضية، بل واقعية تنتهي عند حد اللمس أو بالأصح الضرب. فالحرية التي نستجيب لندائها على صفحاتها تجعلنا نطمع ونستزيد. مما يجلب الإزعاج للبعض، ولو أن في متناول أيديهم فأساً ليزرياً لفجوا رؤوسنا به، أو سهماً نووياً لصوبوه نحو قلوبنا، أو لُجُماً كهربائية كموا بها أفواهنا منعاً للصهيل.

حدثتني قائلة: أثناء جلوسي إلى مائدة إحدى الوجبات الرمضانية الدرامية، وعلبة المحارم تجلس بجانبي تعينني على سيل دموع استجرها مقطع ملخصه أن ( الأم تبكي على ابنتها المسيحية التي تزوجت حبيب عمرها المسلم، وابتعدت نهائياً عن عائلتها، ثم حين رأتها بالمصادفة في أحد المطاعم، شُلّت أرجلها وعجزت عن النهوض لتعبر لها عن حنين يتآكل جسدها، لكن غيمة من الدموع غشت عينيها فرحاً،فتجمدت وامتنعت عن السقوط خوفاً من أن يكتشف الجالسون ما يعتمل في صدرها)

قلت: رأيت هذا المقطع، وتفاعلك طبيعي يحصل مع الكثيرين.

أردفت مقاطعة: أعرف، لكن ما خطر في ذهني أن هذا الموضوع يطرح فقط من ناحية اجتماعية بحتة، وممنوع علينا تناوله أو دراسته أو الجدال فيه من الناحية التشريعية. قلت: بالطبع لأنها تشريعية، نقطة انتهى.ردت كمن يطلق سهاماً: أعرف، وبما أن لدي بعض الأصدقاء الافتراضيين من الكتاب الدراميين، وبما أن هناك متسعاً أكبر من الحرية ،فقد فتحت بكل ثقة جدار حائطي في هذا الموقع الفيسبوكي الرحب، ودونت ملخصاً يدين بعض التشريعات الظالمة بحق المسيحيين، مثل اعتبار ابن المسيحي المتزوج من مسلمة ابناً غير شرعي، إن لم يعلن الزوج المسيحي إسلامه… وختمت المدونة بأن الدستور يقرّ بأن دين رئيس الدولة فقط هو الإسلام، وليس دين الشعب أو الدولة ،ثم الختام. بعد ذلك أرتني ما دونته تماماً. قرأته بروية وقلت: أفكار جميلة تحتاج إلى جرأة، لكن أسلوبك ربما (وكي لا تغضب أكدت)، أقول ربما، كان  فجاًبسبب استفزاز الجرأة لدى كتاب الدراما ، كمن يلطم خداً بغير سبب.

ردت رشّاً من فوهة فمها: أعرف ذلك (سحبت نفساً عميقاً) لكن اسمعي ما فعلت:برسالة مقتضبة جداً بعثتها إلى أحد كتاب الدراما المعروفين بالجرأة، وبنيّة صافية مني، وربما ساذجة، وبمعرفتي الأكيدة بأنه لم يأت على طرح هذا الجدل من قريب أو بعيد، طلبت منه قراءتها للاطلاع فقط أو الاستئناس، راجية أن يضع لي (لايك) فأنتفخ معتزة بكثرة بصمات (اللايكات) الدامغة بالعشرة. فجأة وكأني ضربت صواناً بوجهه فاشتعل شرراً، فوراً اتهمني بالثرثرة، وبأنه شعر بالملل عند قراءة ما كتبت. مؤكداً أنني لم أكتشف البارود، وأنه لم يتطرق إلى هذه المواضيع في مسلسلاته، ثم ودعني بوصفي بالثرثارة بعد إلغاء اسمي فوراً من صفحة أصدقائه الافتراضيين.

ضحكت وقلت: ثرثارة!ردت بتواصل وتوتر: تصوري! ودون أن يمنحني  من الوقت ولو ثوان لأشرح وجهة نظري، أو لأدافع عنها، أو حتى لأعتذر.

قلت: لا ليس له حق، هذا تسرع ليس له مبرر.

قالت كأني المؤلف الدرامي يقف أمامها: لم ولن أدعي أنني اكتشفت البارود، لكني متأكدة من أننا ننظر إلى بعض القضايا من موقعنا الذي نريد، ونحشرها في زاوية ضيقة؛ مهما توسعت لن نستطيع تحريرها من أسر أضلاعها، ولن تصبح متكاملة إلا حين تضم فضاءها الملتف حولها.

أعجبني استرسالها بشرح الفكرة، قلت: كلام رائع، لكن ربما كان عليك التروي قليلاً، أو اختيار العبارات اللائقة المضخمة لذات هذا الكاتب بالذات، لا أن تعتبريها كأي صديق في الصفحة.ومع الحيرة المنقوشة في عينيها قالت: أعرف، وقد صمتُ محتارة في سبب ردة فعله، هل هو سبب شخصي يخصه أجهله، ولا أهتم مطلقاً لمعرفته؟ أم أنني أخطأت بأسلوب طرحي للفكرة ؟قلت: حتى لو كان ذلك الحاصل لوجب عليه، إن كان يحمل رسالة إنسانية ويرفع على كاهله همّ الوطن، أن يمنحك حق تصحيح خطئك بحقه إن حصل، لا الغضب ورشق الاتهامات جزافاً ثم الهروب كالمقترف ذنباً.

ردت كمدمن حصل على جرعة طمأنة: تماماً يا صديقتي، لكن ربما لم نطل بعد مقامات رفيعة وعالية كالتي تربع عليها مثل هذا الدرامي الحقيقي!

العدد 1107 - 22/5/2024