التفاتة إلى الوراء.. نظرة إلى الأمام

بعد مرور سنوات عدة على الأزمة السورية، لا بُدَّ من إلقاء نظرة إلى الخلف، ومعرفة ما تجمَّع من أكداس في مواسم القحط والجفاف، وما أفرزته الأزمة من فواجع انعكست سلباً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية. وفي المقابل الاعتزاز والفخر بقوة الجيش السوري الباسل، وما قدمه من تضحيات في سبيل وطن سيّد يحافظ على قراره السيادي، وبقاء الشعب السوري رافعاً رأسه عنيداً صلباً مقاوماً صابراً ومضحيّاً!

هناك من يرى أن من يلتفت إلى الخلف يمكن أن يصاب بالحَوَل، ويردد صباح مساء على مسامع الناس: (الماضي مضى وذهب دون رجعة). ويتساءل آخر: هل هناك صلة بين الماضي والحاضر؟

في الواقع يشكل الماضي محطة الانطلاق، يربطه بالحاضر طريق غير معبَّد.. والماضي قال قوله، والحاضر يجيب بصراحة عن الأسئلة المختلفة، ويضع احتمالات المستقبل وتأثير الأحداث وتفاعلاتها وانعكاساتها السلبية والإيجابية.

ومن أبرز العناوين الظاهرة في وسائل الإعلام العالمية (تنظيم داعش الإرهابي)، الذي انتشر كالفطر في سورية والعراق وبعض الدول، وأشبع بالقراءات والدراسات وأصبح العازفون الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون والخليجيون، يرددون (الموسيقا الداعشية) في اللقاءات الرسمية والشعبية والمؤتمرات..

أصبح الإرهاب بكل أشكاله ظاهرة سرطانية عامة تجتاح المنطقة وتنفث زفيرها عبر حدود الدول المجاورة. ولم تقف (داعش) وغيرها عند ذلك، بل قدَّمت بلاغاتها إلى الدول الأوربية محذّرة إياها من الوقوف في وجهها. ولذلك بعد أن أرسل البيت الأبيض الطائرات دون طيار إلى العراق، وجّه أوباما تحذيراته إلى سورية ووضع شروطاً مسبقة، بعد أن حدد وزير الخارجية وليد المعلم موقف الحكومة السورية في المؤتمر الصحفي، وأكَّد استعداد سورية للتعاون والتنسيق ثنائياً وإقليمياً ودولياً في قتال (داعش) وإخراجها مهزومة من المنطقة، على أساس التنسيق مع سورية.. وقال المعلم: سيتم استخدام الوسائل المتاحة في حال لم يتم التنسيق مع الحكومة السورية.

وما يزال الرئيس أوباما يظهر عناده مع حليفه الفرنسي هولاند. ويؤكد الرئيسان موقفهما بعدم التعاون مع الحكومة السورية، رغم أن هناك قناعة دولية في الظاهر والباطن من الناحية السياسية، بأن (داعش) وما يتبعها من تنظيمات إرهابية مسلحة، أصبحت تشكل خطراً مباشراً على دول الجوار ودول ما يسمى (أصدقاء سورية). ولم يحدد أوباما الوقت للتدخل ضد (داعش) في سورية. وأشار إلى إمكانية قيام تحالف دولي لتقديم دعم جوي للجيش العراقي. وقال عن الرئيس بشار الأسد (إنه لا يملك القدرة على الدخول إلى مناطق يسيطر عليها داعش). فأوباما يغمض عينيه عمَّا يجري من معارك ضد (داعش) وجميع التنظيمات الإرهابية، والتكتيكات التي يستخدمها الجيش السوري وما يحققه في ميدان المعارك. فهو الجيش السوري الباسل الذي يواجه تحالفاً دولياً وإقليمياً غير مسبوق في العصرين القديم والحديث! أما الرئيس هولاند فهو الأكثر توتراً وغباء، وما يزال يتخذ موقفاً معادياً ضد سورية والشعب السوري، ومعه – حسب أحد الاستطلاعات – 6 في المئة من الفرنسيين لديهم آراء إيجابية حول تنظيم (داعش)، و7 في المئة من البريطانيين، و3 في المئة من الألمان.

ورغم التغيرات في السياستين الإقليمية والدولية، والقناعة الكاملة بأن التكفيريين والجهاديين سيغزون العالم ويهددون البشرية جمعاء، إلاَّ أنه ظهر رأيان (أوربياً – خليجياً):

الأول – رفض التعاون مع الحكومة السورية لقتال (داعش).

الثاني- القضاء على (داعش)، يتطلَّب التعاون مع الحكومة السورية، لكن بشروط هي:

1 -إعلان وقف القتال مع (الجيش الحر والمعارضة المعتدلة)، التي وقفت ضد تنظيم (داعش) وقاتلته.

2 -إعلان العودة إلى الحل السياسي للأزمة السورية وفق قرار جنيف1 في 30 حزيران 2012.

3 – قيام حكومة انتقالية تضم أطياف المعارضة، ويكون ذلك جزءاً من مرحلة انتقالية، تحتم وجود الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة، مع تقليص صلاحياته. وتكون مهمة هذه الحكومة محاربة (داعش) بموازاة التحضير للحلول السياسية في سورية.

يظل الحل السياسي هو الطريق للخروج من الأزمة. وتشكل المصالحات التي بدأت تترسخ في عديد المناطق الخطوة الهامة نحو الحل السياسي، الذي يجب أن يستند على عقد مؤتمر وطني يضم الطيف السوري، يصدر برنامجاً أو وثيقة ترسم طريق سورية في المرحلة الانتقالية وما بعدها.. وصولاً إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية الموحدة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024