خطة مكافحة الإرهاب الأوربية الملغومة!

أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الأخير (11 أيلول) الموجه إلى الأمة، النقاط الأربع التي ستعمل الولايات المتحدة على أساسها، في محاربتها الإرهاب و(الدولة الإسلامية)، وتتلخص في قطع التمويل عن هذا التنظيم، وتحسين أنشطة الاستخبارات الأمريكية، وتعزيز الدفاعات الأمريكية، والتصدي لإيديولوجية الدولة الإسلامية، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب.

لا يختلف عاقلان، وخاصة بعد التطورات العملياتية الأخيرة في العراق، وقبلها بشهور طويلة في سورية، على أن الدعم الأساسي قدمته الإدارة الأمريكية لهذا التنظيم، ويقر أوباما رسمياً في إحدى نقاط خطابه على ضرورة وقف هذا الدعم، كما لا يختلف العاقلون والمتوازنون حول ما اكتشفه أوباما متأخراً عن عمد بأن لا علاقة لهذا التنظيم بالإسلام، وينطبق عليه هنا المثل القائل: (صح النوم)!

أما النقاط الأخرى المتعلقة بالتصدي لهذه الدولة في العراق أساساً، وفي أماكن وجوده الأخرى، والمقصود طبعاً سورية، فإنه يحتاج إلى قرار وتفويض دولي أولاً، وموافقة الدول المعنية ثانياً، والعودة إلى موضوعة السيادة الوطنية المطروحة منذ بداية الأزمة السورية. ولا نود هنا سؤال أوباما عن تضمين هذه المكافحة لهذا التنظيم مناطق أخرى، كتركيا مثلاً، العضو في حلف الناتو، والتي تمثل قاعدة الارتكاز الرئيسية لهذا التنظيم، والتي يكفيها اتصال هاتفي أمريكي فقط لموازنة موقفها.

كثيرة هذه الملاحظات حول خطاب أوباما، وهي لا تحتاج إلى جهد شخصي أو مؤسساتي أو حكومي، لتعريتها وإظهار حقيقتها والأهداف المتوخاة منها.. إنما نود الإشارة إلى ردود الأفعال تجاهها، ونستثني هنا طبعاً الأدوات العربانية والإقليمية، على تبايناتها واختلافاتها، التي تداعت إلى الالتقاء سريعاً في مدينة جدة، بطلب أمريكي، لإقامة جبهة دولة لمكافحة الإرهاب، استثنت الدول المعنية أساساً التي تعاني قبل غيرها من هذه الظاهرة، كذلك استثنيت أصدقاءها وحلفاءها!

ويهمنا في هذا السياق أن نعيد إلى الذاكرة مرة أخرى الطرح السوري المبكر حول المهمة الدولية لمكافحة الإرهاب، الذي لا حدود له ولا دين، وأن محاربته الحقيقية تتمثل في التعاون والتنسيق تحت غطاء دولي مشرعن ومقونن، يأخذ في الحسبان أولاً السيادات الوطنية، على حسابها ولا تجاهلها، ولا المخطط لها أمريكياً، وأن من يرد مكافحة الإرهاب فعلاً (وهذا ما نشك في مصداقيته) لا يطلب مرة أخرى من الكونغرس تخصيص 500 مليون دولار لدعم ما يسمى (المعارضة المعتدلة)، التي وصفها أوباما نفسه علناً، قبل شهور قليلة، بأنها غير فاعلة ولا جدوى منها.

إن إعادة طرح هذه المعزوفة القديمة – الجديدة الباهتة، في سياق خطة دولية مفترضة لمكافحة الإرهاب، يعيقها عملياً العودة إلى هذا التصنيف الأمريكي وغيره حول ماهية المعارضة، وحدود حضورها وفعلها وتأثيرها أيضاً، الذي بات واضحاً للجميع، وفي مقدمتهم أصحاب هذه الأسطوانة المشروخة. وما يزيد الشكوك والملاحظات حول هذه الخطة الأوبامية و(الدولية) لاحقاً وسريعاً، أن من يرد محاربة (داعش) هو من صنع هذه الظاهرة ووظف لها الإمكات الكبيرة، وجند أدواته في المنطقة لدعمها، فهل يعقل أنه يريد محاربتها فعلاً؟

إن الخطوات الأولى لهذه المحاربة تتلخص في وقف الدعم وتجفيفه، وإلزام الأدوات بذلك.

أما التخوف الأساسي من هذه الخطة الأمريكية (الدولية)، فيتلخص في حقيقة هذه الخطة المتأخرة، رغم الملاحظات العديدة حولها، وبخاصة مسألة السيادة الوطنية، وأنها تطرح بعد أن فشلت ثورات الخريف العربي في تحقيق أهدافها حول بناء شرق أوسط أمريكي جديد، وهذه الخطة تهدف إلى إقامة هذا الشرق الأوسط بطرق عسكرية أمريكية خصوصاً وعبر التدخل الخارجي لتحقيق أهداف ثورات الخريف المأزومة.

وتزداد الأمور وضوحاً، إذ نلاحظ التلبية السريعة للعديد من الدول العربانية والإقليمية، التي عملت على قيام هذه الثورات الخريفية، وما أحدثته في النتيجة من حالة عربية مفككة رسمياً ومتهالكة، وشلل في العمل الجماعي الرسمي العربي، على علاته ونواقصه، والتي تتجلى راهناً في المواقف الرسمية العربانية السلبية، تجاه الكثير من القضايا المركزية، وفي الصدارة منها القضية الفلسطينية، وآليات عمل الجامعة العربية، ومدى التزامها بميثاقها أصلاً.

وهذا ما كان أمريكياً مرجواً من هذا الشرق أوسط الجديد، ومن خلال الخطة الأمريكية- (الدولية) المقترحة أيضاً، وهذا ما يتجلى أيضاً في مواقف ما تسمى (المعارضة الخارجية) التي لا وزن لها، ولا تأثير، ولم يعد أحد يسمع عنها، سوى عن خلافاتها وهشاشتها، وارتهانها لداعميها وخلافاتهم.. هذه المعارضة التي أيدت سريعاً خطة أوباما، وخصوصاً العودة إلى أسطوانة التدخل بعد أن فشلت الأدوات الأخرى في إنجاز هذا الشرق الأوسط الجديد.

وهنا لابد من الإشارة إلى الانطباع الرئيسي السائد، عالمياً وإقليمياً ومحلياً، بأن مسعى واشنطن ليس محاربة الإرهاب حقيقة، وصولاً إلى التباينات في صفوف حلفاء الولايات المتحدة، ورفض بريطانيا وألمانيا الانخراط في هذه الخطة، ومطالبة الكثير من الدول المتوازنة والمنشغلة إيجاباً بالأزمة السورية وغيرها بضرورة الغطاء الدولي لأية خطة عالمية لمكافحة الإرهاب، وليس استثناء سورية المعنية قبل غيرها بهذه الظاهرة، والمس بسيادتها.

نشير أيضاً إلى تأكيد دمشق مجدداً، موضوعة السيادة الوطنية أولاً، وضرورة التنسيق مع حكومات الدول التي تعاني راهناً من الإرهاب الدولي ثانياً، وأن استخدام لافتة محاربة الإرهاب لأهداف أخرى مصيره الفشل، كما فشلت أدوات الأزمة السورية طوال أكثر من ثلاث سنوات في تحقيق أهدافها.

العدد 1107 - 22/5/2024