عندما يستطيع احتفال صغير أن يجمعنا!
غبت عن المركز الثقافي العربي في أبي رمانة طيلة سنوات الحرب. فقد كنت من رواده الدائمين، أتابع فيه ما يجري من محاضرات وأمسيات، وكنت أذهب أحياناً إلى مركز العدوي، وإلى مركز المزة وإلى قاعة المحاضرات في اتحاد الكتاب العرب، ولا أتأخر عن تظاهرات مكتبة الأسد الكبيرة.. وعندما حلّت لعنة الحرب، انقطعت عن كثير من عاداتي، ومن بينها هذه العادة الجميلة..
فجأة. اتصلت بي المذيعة الأديبة رنا عبد الكريم علي، وقالت إنها تدعوني لحضور حفل توقيع ديوانها النثري الجديد (مرميّ على الرصيف) في ثقافي أبي رمانة بعد يومين، فأخبرتها أنني أتمنى، ولكن أنسى.. فإذا بها تتصل لتدعوني في يوم التوقيع من جديد لتقول لي:
– لا تنسَ اليوم. حضورك يهمني!
ذهبت إلى مركز(أبي رمانة)، فإذا القاعة لا تتسع للحضور، وإذا بالحصول على توقيع رنا يحتاج إلى انتظار الدور، وإذا بالوجوه الثقافية تتجمع وتحكي مع الناس، وإذا بالحضور يتحلقون لالتقاط الصور مع الكاتبة كوليت خوري..
أما أنا فعاد بي الزمن إلى الوراء، تذكرت محاضرة قديمة لكوليت خوري تحكي فيها عن علاقتها بالشاعر نزار قباني منذ تعرفت عليه مع عبد السلام العجيلي في ملتقى دمشقي قديم.. شعرت بحيوية غريبة تأخذني إلى النشاط الثقافي القديم، وكان من الضروري أن أحضر في هذا المركز الثقافي لقاء الإعلامي الراحل ياسر المالح وهو يتحدث عن الموسيقا، وكان من المهم أيضاً أن أتابع نشاطات الجمعية الكونية وخاصة محاضرات الباحث فايز فوق العادة، ثم عندما أتأخر أو أتردد في حضور ندوة الأستاذ عبد الرحمن الحلبي لبرنامج (كاتب وموقف) فإن عليّ متابعتها عبر إذاعة دمشق..
هكذا، أعادني حفل توقيع الكتاب إلى حيوية الزمان والمكان.. وربما تستغربون كيف فرضت الإذاعة نفسها من خلال ذلك، فتذكرت كيف أعطيت كبير مذيعي سورية الراحل الأمير يحيى الشهابي مجموعتي القصصية الأولى، وقد كتبت في إهدائها:
(إن يدي ترتجف وأنا أقدم للأمير قصصي الأولى!)
فهل بقي في الإذاعة من يهتم بخواطره على هذا النحو في هذا العصر؟..وكما نعلم، فإن ضجيج الإعلام يأخذ نجومه بعيداً عن تأصيل ثقافتهم ولغتهم ويجعلهم يهتمون بالصورة والشكل والأضواء..
كانت رنا أنيقة أكثر من غيرها، وتعاملت مع منمنماتها النثرية كمن يستخدم عطراً ثميناً، فيكفي رشّة منه.. قرأت مقاطع قصيرة قبل أن تبدأ حفل التوقيع، وإلا كان علينا أن ننتظر وقتاً طويلاً قبل الشروع في التشارك في الحفل البهيج.. أخذت نسختي وخرجت من المركز، واجهني الرصيف، كان واحداً من أرصفة دمشق التي أحبها، فعدت سريعاً إلى الكتاب، فعنوانه: (مرمي على الرصيف)، وسألت نفسي:
(لماذا أطلقت عليه هذا الاسم؟!)
قررت قراءة المقاطع النثرية الأولى في الكتاب، لعلي أجد جواباً، وقرأت مقطعاً يقول:
جمعت لك ورود حديقتنا كلها.
ولأن والدي كان ينتظر تفتّحها،
فقد قررت أخذها إليك.. وفعلت!
ووقفت قبالة الباب الموصد
والفجر النائم يهددني بإيقاظك..
توقفت عن القراءة، وسألت نفسي: (ما الذي سيحصل معها؟!)..كان السؤال مهماً. أطبقت الكتاب، وهمست خجلاً..
لابد أن تعرف ما الذي حصل لورود الحديقة عند الباب الموصد، ولماذا أسمت كتابها هذا الاسم.. ولكن.. انتظر لتتابع القراءة في البيت!