أحجيات معاصرة

على الأرجح، إن السؤال هو عقل المعرفة، وإن الاختلاف هو تقوى الفكر.

إذن ما الذي يمنع السؤال ذاته من أن يسألها  ذاته  لينتج معرفته هو، فيرتاح الفيلسوف وتهدأ خواطر الباحثين لتأخذ قسطها الوافر من الراحة. تلك أحجية ستصدق يوماً ندرة معجبيها، هل يعلن الفضوليون انسحابهم؟!

 لا أتقن سرد النكتة، أحياناً أتعثر بحبكتها، وأسارع لبثّ فكرتها كأني بها حمل ثقيل، لطالما وصفها أصدقائي بالمأسوية!

 على الذي لا يضحك أن يبرّر إحساسه، ربما يضحك فيه شيء داخلي باكياً، لأكثر من مرة رويت لهم أن أعرابياً كان يسير وحيداً في الصحراء، وحيداً تماماً، وفجأة التفت ذلك الأعرابي، وما لبث أن عاود سيره إلى الأمام بانتظام، لكن أناس هذه الأيام، يا لكثرة ما يلتفتون، دون أن يكون سيرهم منتظماً، خمّن اثنان منهم شيئاً وضحكا طويلاً، ولم يجدا تفسيراً لالتفات الناس في الشوارع الضيقة!

 يصرخ كاتب في نهاية أمسية أدبية (حاشدة).. حدث سوء فهم، إذ لم تفهم قصتي كما أردتها، إنها مؤامرة تطولني شخصياً. ويستطيع أن يسرّ لمعجبيه أنه لا يذيع سراً، إن قال إن عدد زواره على صفحته بالذات في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، قد فاق كل توقعاته، فالنجومية أخيراً رفعت قبعتها له. ويقول هامساً لمن حوله: (لقد بلغ الناقد (…) سن يأسه النقدي  على ما يبدو  ولم يعد يدري ما يقول!

 كيف تستوي اليوميات الناقصة في الأعمال الكاملة، تلك أحجية كاملة لمن قال في اليوميات الناقصة: (سيأتي زمان أتى، سيأتي زمان خوف يتوسل فيه الأموات إلى ذابحيهم: (أنقذونا من براثن منقذينا!) سيأتي الجنون).  يتوسل صاحب (يوميات ناقصة) الشاعر نزيه أبو عفش كيمياء للمسرات والآلام ليحلم (بمعجزة صغيرة) فقط من شأنها أن تقصي (الأحلام الهالكة)، لروحه التي شفّت  رغم أحجيات  الزمن المعاصر، أن تروي أحجيتها المضادة، فالألم عادة والأمل اختراع بالضرورة.

 يقولون: عقل في الكف، كناية عن راية بيضاء (افتراضية) يرفعونها في وجه أحجيات لا نهاية لها، ومواربة عن العقل الذي طار بعد أن تشابهت عليه الأشياء، لكأنها أصبحت شيئاً واحداً عصيّاً على القراءة، العقل طار وكفى!

 في زمن مضى، أو كما يحلو للرواة المدججين بالصحو والانتباه القول: في سالف العصر والأوان، أو يحكى أن، وغير ذلك مما يتوسله المعنى ليأتي باذخ المقدمات، كانت روايات بعينها، تكتب لزمننا الحاضر بالذات، ولذلك أسيء فهمها في لحظاتها السالفة، وبمعنى آخر، كان جورج أورويل بنبوءته (الفاتكة) في روايته (1984)، ودوستويفسكي، وهاني الراهب فيما أنجزاه كل على حدة:

في الشياطين، وفي الوباء.. كانوا جميعاً على حق، جميعهم ليجعلوا من تلك (الأحجيات) التي تلبّست متونهم الروائية، قابلة للتصديق بل والعيش معها، لتستمر بألغازها الموازية فيما مقابل حياة يصعب تصديق فصولها المتواترة، وفضولها المستشري، وخفة صانعي أوهامها، وارتباك مؤولي حقائقها (الجميلة) حدّ الصدمة والترويع، وإلا فماذا تضيف الأحجية إلى مثيلتها، أحجية جديدة.. يا لها من لعبة لا يجيدها سوى القدر..

العدد 1107 - 22/5/2024