هناك على نافذة مفتوحة…

هناك على نافذة مفتوحة… سأترك بقية أحزاني وأرحل…

ربما تمر التي أحبها من قربها.. لتقرأها حزناً..حزناً… ربما تمر… قبل أن تتطاير الأرصفة والشوارع والمدن والأشجار والأطفال المشردون.

ربما يمر المتعبون.. ربما يمر ملوك الطوائف وقياصرة الأزمنة الغابرة حاملين معهم النبيذ والخيام الملطخة بالموبقات… ربما يمرون وحين يقرؤونها.. يذهلون…!

 

يا إلهي كم السماء ضيقة هذا الصباح..!؟

يا إلهي كم الطرقات معتمة… والرؤى غامضة..!

يا إلهي كم المدن موحشة وبائسة حين يتربص شبح الموت الرهيب بكائناتها..!

 

هل رأيت سيدتي كيف تتدحرج فوق سفوح الكلام الصرخات الموجعة بلا سبب واضح..؟

هل رأيت الحدائق وهي تجلس بطمأنينة فوق أرصفة المدينة تستقبل العشاق والملائكة الصغار ثم..فجأة ترتمي مضرجة بالدم والدموع والجراح…؟

هل رأيت كيف تتساقط الكلمات فوق جسد القصيدة بعصبية بالغة قبل أن تندس خلسة بين تلافيف ذاكرة التراب؟

هل رأيت كيف الأشجار الباسقة.. تنحني بسبب عاصفة قبلية هوجاء.. غاشمة؟

 

انتظري قليلاً سيدتي  وأنت التي بكل يد مضرجة يدق بابك  لا تتركيني سجيناً في دهاليز الخوف وأقبية الجوع… لا تتركيني .. خذيني معك حيث الهواء… والفراشات التي أسرفت في الطيران حول أوهامها.. خذيني معك  سأكشف لك سر القبور التي امتلأت بالمجاز واللغة الباذخة.

 

هناك على نافذة مفتوحة… سأنتظرك ربما تأتين حاملة سنابل الضوء.. وجرعة ماء.. وغيوماً طافحة بالمسرة.. ربما.. ربما.. تضيئين عتمتي التي أدمنتها.  

 

هناك على نافذة مفتوحة.

سأقول للذين أحبهم: صباح الخير أيها السادة!

بعد قليل… ستتمادى الرياح بارتكاب حماقات ومجازر بحق الياسمين والقرنفل والبنفسج. بعد قليل ستشهدون الشمس في العراء تعلن هزيمتها. بعد قليل ستشهدون الحصار..ستشهدون الأفاعي في الشوارع الخلفية تمارس الخطيئة بلا حياء، بعد قليل ستشهدون العقارب  بكل ما تملك من طيش  تحقن السم الزعاف في جسد النهار.

 

هناك على نافذة مفتوحة… سأنتظر حبيبتي… لابد أن تأتي وفي جعبتها فجر جديد… وشمس مكتنزة بالضياء لنبصر الدرب نحو الخلاص… وسنابل قمح أمعنت في نضجها وحان حصادها… وطيور ترفرف بأجنحتها فوق حقول رويت بدم الشهداء… وياسمين لنزيّن به جيد قاسيون، آن نحتفل بشموخه وعزته وإبائه.

نعم سأنتظر حبيبتي… ولا أشك في أنها قادمة. 

العدد 1105 - 01/5/2024