عاما الأزمة… مخاوف وتحذيرات من خطر السقوط الاقتصادي المدوي

فتحت الأزمة في سورية، الجراح المؤلمة، وخيبات مواطنيها الراغبين في الوصول إلى شاطئ آمن، يقفون فيه، يلتقطون أنفاسهم، ويعيدون التأمل بما خسروه، بعد معاناة لعامين متواصلين من العنف المتصاعد، والقتل الذي فاق كل التصورات، والتخريب الذي لم يتوقعه أحد، وعلى مايبدو مازال الباب مشرعاً، وظلفتاه المواربتان تسمحان لريح الدمار بالهبوب. سنتان عجفاوان بكل ما للكلمة من معنى، فتحتا ناراً أتت على الكثير من المؤسسات الاقتصادية، والبنى التحتية، واستهدفت قطاعات الإنتاج الحقيقية، بعد أن طالت أبرياء المواطنين، وأزهقت من الأرواح الكثير، وجعلت الملايين مشردين في دول الجوار وفي الداخل السوري، يبحثون عن كرامتهم المهدورة، وحقوقهم الضائعة.

وتتضارب التقديرات الأولية التي تنبه من خطورة الغرق أكثر في الأزمة، وجعل مساراتها تنحدر إلى المستويات الأكثر خوفاً، والتهاوي إلى القاع المخيف، وبالتالي تدمير كل شيء، وتوقف الحياة في عروق سورية الوطن. وعبر النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري من موقعه الأممي، عن تلك المخاوف تعبيراً مثيراً للتساؤل بعد أن أثارت الرعب، بخشيته أنه (في 2015 لن يكون هناك سورية إذا تواصلت الأزمة)، وتحذيره من عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب للعاملين. لايمكن نكران هذا التخوف، ولا يمكن اعتبار أن كلام  الدردري أطلق على عواهنه، أو أنه كلام ليل يمحوه النهار. فالنهار السوري، وجلاء الغيمة السوداء عن صدرها، وانقشاعها عن اقتصادها، يحتاج إلى مرتكزات، ومؤشرات تعكس الذهاب نحو أهداف ورغبات محددة، ويتطلب نوايا حقيقية تبلور أفكاراً للمضي قدماً في الجهات التي يبحث عنها المواطنون، باتجاه الشاطئ الآمن، والأرض الصلبة التي تؤمن بالحد الأدنى: تلاقي المصالح المتنازعة للمحافظة على الوطن. كلام الدردري لم يأت من فراغ، وربما يفترض بنا لأول مرة ألا نتجاهل هذا الرأي المخيف، لاسيما أن الدردري يعمل على رأس فريق يقوم بدراسة خيارات الأزمة في سورية وتقديم مقترحات وتصورات لمرحلة ما بعد الأزمة، لاسيما في مجال إعادة الإعمار. كما أن موقعه السابق، والمسؤولية التي يتبوؤها في منصبه الأممي، تقضيان ألا نتجاهل ما يقوله الرجل الذي حاول رسم نهج اقتصادي سوري على الطريقة النيوليبرالية، والليبرالية المتوحشة. وها هو ذا اليوم يحذر من مخاطر الأزمة، وينبه من عواقب الانزلاق أكثر في متاهاتها الدامية، ليطلق مقولته التي ستبقى لزمن قادم معياراً تحذيرياً، ونقطة تحول أياً كانت الظروف، ومهما كان رجحان الكفة، ولمصلحة أي من أطراف النزاع. زوال سورية، كما يُفهم من تصريحات الدردري الصحفية، ليس ضرباً من خيال، أو أحد المستحيلات الجديدة، فعمليات التدمير التي تطول المنشآت الاقتصادية والتنموية، وتعطل الحياة الاقتصادية، لن يسهم في المحافظة على الاقتصاد، بل على العكس تماماً، سيؤدي إلى تحويل التصورات السوداء، والتوقعات غير السعيدة، إلى حقائق على الأرض. وعندئذ لن تنفع دموع، أو ندم، ولن يكون للملمة الجراح وجود، فالشاة كما يقال في المأثور الشعبي لا تتألم من سلخها بعد الذبح.

وإذا كان النائب الاقتصادي السابق، يقدم سيناريو أكثر تشاؤماً، ويرى ما لا نراه، فإن فعاليات اقتصادية، لا تقل بتشاؤمها عن الصورة السوداء، اللعينة، التي قدمها الدردري، فهناك خسائر تتجاوز 100 مليار دولار، وفق لسان حال رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، كما أن أمين سر لجنة إعادة الإعمار برئاسة مجلس الوزراء قدر القيمة الإجمالية للأضرار التي لحقت بالوزارات والجهات العامة لغاية نهاية العام الماضي  ب 804 مليارات ليرة. وبالتالي تنفر الأسئلة المؤلمة أيضاً من جديد، لأن العجز الحكومي عن تأمين مبالغ أدنى من ذلك بكثير لزوم الخطط الاستثمارية الجديدة، للارتقاء بالاقتصاد، ومعالجة حالة الخمول والتردي والتراجع التي يشهدها، لاسيما خلال فترة تطبيق الخمسية العاشرة، سيُظهر العجز بطرق شتى، وسيبدأ مسلسل الانهيار التلقائي، والسير نحو الحتف المحتم.

أيام قليلة تفصلنا عن إتمام الأزمة في سورية عامها الثاني، والحراك مستمر، والأوجاع  من مخاطر الانهيار، والتخوف من زلة السقوط المدوي، قائمة، وشرعنة السرقة والنهب لن تؤدي إلى نتيجة ايجابية، وتكون كالمرض الذي لابد من التخلص منه، بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان الكي هو آخر الأدوية التي يمكن استعمالها. أكثر من 700 يوم دامية، قاتلة، خربت الاقتصاد والبشر، ليكون الوطن، باقتصاده المتهالك، محط تجريب لكل من يريد أن يجرب نظرياته الاقتصادية الجديدة، ومعادلات تقدير الخسائر، رغم أن ما أصاب سورية لايقدر بثمن، وأن باب الأوجاع السورية مفتوح على مصاريع مثيرة للتخوف.

العدد 1107 - 22/5/2024