إيطاليا: العوم ثانيةً في بحر متقلّب ومُتجاذب!

أعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في نهاية الأسبوع الفائت أنها خفضت تصنيف الديون السيادية الإيطالية درجة واحدة من (إيه-) إلى (بي بي بي+)، مع نظرة سلبية، ما يعني احتمال أن تلجأ الوكالة في المستقبل القريب إلى خفض هذا التصنيف مجدّداً.. مبرّر الوكالة الدولية في قرارها هذا يعود، حسب رأيها، إلى (النتائج غير الحاسمة للانتخابات البرلمانية التي جرت في إيطاليا يومي 24 و25 شباط المنصرم، والتي تجعل من إمكان تشكيل حكومة جديدة مستقرّة في الأسابيع القليلة المقبلة أمراً غير مرجحس.. إذاً، لقد تعمقت الأزمتان السياسية والاقتصادية في شبه الجزيرة الإيطالية بعدما فشلت الانتخابات التشريعية في المجيء بغالبية واضحة، الأمر الذي انعكس سلباً على معدلات الفوائد على القروض الإيطالية التي عادت إلى الارتفاع في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الجديد يوم الجمعة 8/3/2013 لإفساح المجال أمام القوى السياسية لإيجاد حل للأزمة المزدوجة، والكرة الآن في ملعب القوى الرئيسية الثلاث وهي: اليسار بزعامة بيير لويجي برساني، واليمين بزعامة سيلفيو برلوسكوني، وحركة خمس نجوم بزعامة الممثل الكوميدي بيبه غريلّو.. ولا تعتزم أي من القوتين (اليسار وخمس نجوم)، التحالف مع برلوسكوني، الذي حصل على الغالبية المطلقة في مجلس النواب لكنه لم يحصل عليها في مجلس الشيوخ، ولا أمل له سوى  الحصول على دعم  كلّ أو بعض أعضاء حركة خمس نجوم، حصان الرهان الخطير في الانتخابات التشريعية الأخيرة.. هذا في وقت تشهد فيه إيطاليا انكماشاً اقتصاديّاً وتحتاج إلى حكومة مستقرة لاتخاذ السياسات والتدابير اللازمة. في إحدى مقالاتها عن هذا الوضع الفريد في تاريخ إيطاليا، أشارت صحيفة (ال كورييريه ديلا سيرا) إلى أنّ نجاح حركة خمس نجوم التي حصلت على ربع الأصوات وتسببت بجدل كبير في البلاد، يمثل (فوزاً لإيطاليا المشكّكة بأوربا في مواجهة سياسة التقشف الاقتصادي). والموقف نفسه عبر عنه أرنو مونتبور الوزير الفرنسي لتصحيح الإنتاج حين قال: (الإيطاليون رفضوا السياسة التي تمليها الأسواق المالية وخطط التقشف المتعاقبة منذ منتصف 2011).

لقد ساهم المأزق السياسي لثالث اقتصاد في منطقة اليورو، بعد ألمانيا وفرنسا، في تراجع الأسواق المالية، إذ خسرت بورصة ميلانو 5% لدى بدء التداولات الأسبوع الحالي، وكذلك باريس (-3%)، وفرانكفورت (-2%).. أمّا عائدات السندات الإيطالية فقد اقتربت من 5%، ما انعكس سلباً على إسبانيا وأعاد أشباح أزمة منطقة اليورو عندما كانت المعدلات الإيطالية قريبة من 7%.

 أخيراً، فإنّ إيطاليا التي تشهد انكماشاً بواقع (-2,2% من إجمالي الناتج الداخلي في 2012) ستكون مثقلةً بدين ضخم يزيد على ألفي مليار يورو.. ما يُترّجم ب 130% من ناتجها الإجمالي المحلي المُتوقّع لعام .2013. وما خفي كان أعظم، لأنّه سوف يتدحرج في إطار العوم ثانيةً في بحر التقلبات والتجاذبات السياسية والاقتصادية على حدّ سواء.

العدد 1105 - 01/5/2024