صراع الأجيال ما بين التسلّط والرفض

يقول دافيد كوبر:

(إن نتاج التربية داخل الأسرة، هو أبناء حصلوا على الطاعة، ولكنهم فقدوا أنفسهم وإرادتهم وشخصيتهم).

معلومٌ تماماً أن الأسرة في المجتمعات الشرقية عموماً، ما زالت أسرة أبوية إلى حدٍّ كبير، أي أنها ما زالت خاضعة لقوانين أبوية سلطوية مُستمَدة من القيم الدينية والاجتماعية، بحيث يكون الفصل في قراراتها للأب، ومن ثمّ الأم بدرجات أقل، بمعنى أنها تُجسّد سلطة القوي على الضعيف، أو الكبير على الصغير، أو الحاكم على المحكوم. من هنا، فإن التربية تلعب الدور الحسّاس والمصيري في تكوين شخصية الأبناء منذ اللحظة التي يُبصر فيها الأبناء النور.

والمُتتبع أو الباحث في شؤون الأسرة من مختلف النواحي، سيلمس مدى تأثير شخصية الأبوين بما يحملانه من مفاهيم وقيم وأفكار، إضافة إلى نمطية الأساليب والطرق التربوية التي يسلكانها في تعاملهما مع الأبناء، والقائمة غالبيتها وإلى زمنٍ قريب على عدم الاعتراف بقيمة أولئك الأبناء من الناحية النفسية والإنسانية.

وهذا ما يضعنا في مواجهة إمّا أبناء طيّعين خانعين، لا يستطيعون السير خطوة واحدة بعيداً عن حماية بل ووجود الأبوين في غالب الأحيان، لا يمتلكون الجرأة لاتخاذ أصغر القرارات المتعلّقة بمصيرهم، يتخبطون في الحياة فاقدي الثقة بقدراتهم وأنفسهم.

وإمّا سنكون أمام نوعٍ آخر من الأبناء الذين يُظهرون للأبوين والآخرين احتراماً مُغلّفاً بالخوف، لا يلبث أن يتلاشى غالباً في غيابهم، لأنهم غير مقتنعين بما يُفرض عليهم من رؤىً وأفكار وأوامر لا تتناسب ورغباتهم ورؤيتهم للحياة، بل وربما يرفضونها جملةً وتفصيلا، فيكون التمرّد سيّد الموقف، مما يُفضي لصراعات تختلف شدّتها باختلاف نمطية الطرفين، يكون هدف الأبناء منها رغبتهم بالتحرر من قبضة آبائهم، وإصرار أولئك الآباء على تشكيل أبنائهم كما يرون ويروق لهم، ووضعهم في القالب الذي وُضِعوا هم فيه من قبل.

بالتأكيد، إن هذه التربية بمختلف اتجاهاتها، لا يمكنها أن تبني مجتمعات متطورة، ما لم تتخلّص من عقدة السلطوية والقيم الماضوية التي لا يمكنها أن تُثمر إلاّ تخلّفاً مستمراً.

العدد 1107 - 22/5/2024