من دفاتر الحزب (1924-2014)

تستحقّ الذكرى الـ90 أن يطرق الشيوعيون باب ذاكرة حزبهم، وأن يستعيدوا بعضاً من تاريخه النضالي الموزَّع في كتب متفرّقة وكراريس، تشكل صفحات مشرقة أنارت شموعها الطريق الطويلة.

أربعة أيام من شهر نيسان عام 1956 كُرِّست لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سورية ولبنان. وجاء هذا الاجتماع في عام العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، وبعد عشر سنوات على استقلال سورية، وذلك قبل نحو ستة عقود.

ويتردد الآن السؤال التالي: كيف كان الشيوعيون يرسمون سياسة الحزب في أواسط خمسينيات القرن العشرين؟

لقد وضع الحزب في اجتماع اللجنة المركزية أمام قيادته وكوادره وأعضائه مهمة رئيسة اعتبرها المهمة الأولى، وهي (صون الاستقلال وتوطيده). ويرى الحزب أن الاستقلال هو القاعدة الأساسية لانطلاق سورية نحو آفاق واسعة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأن مصلحة سورية القومية العليا تقضي انتهاج سياسة خارجية مستقلة جريئة، ترتكز على مناهضة الأحلاف الاستعمارية والإسهام في صيانة السلم العالمي، ومساندة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقلالها.

ويرى الحزب أن المرحلة التي تجتازها سورية، تتطلب قيام جبهة وطنية شاملة بين جميع القوى الوطنية الديمقراطية في البلاد، وأن وحدة الطبقة العاملة ووحدة حركتها النقابية، عاملان هامان في تقوية الجبهة وتوطيدها. ومن مقومات الجبهة في أوضاع سورية، أن يسود التعاون والتفاهم بين الحزبين الوطنيين الكبيرين، الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وهناك من كان يبحث في الفراغ من أعداء الاشتراكية والتقدم وسورية، ويحاول هؤلاء بأساليب الدسائس والكذب، التشويش على مواقف الشيوعيين وسياساتهم زعزعة استقراره، بهدف تحقيق أحلام الرجعية السوداء والإمبريالية، وذلك لإضعاف الحزب وإيجاد الوسائل للتفرقة بين أعضائه، وبين الحزب وجماهيره وقواعده العمالية والفلاحية والمثقفة، وعزله عن الأحزاب الوطنية وعن جيل الشباب. فالحزب الشيوعي كما أكَّدت لجنته المركزية لا يرمي، إلى إضعاف أو طمس الأحزاب أو الاتجاهات الشعبية والوطنية الأخرى، بل يرى فيها حليفاً لا مزاحماً ولا يفتش عن نقاط الاختلاف.

ركَّز الحزب في هذا الاجتماع على مهمات سياسية ومعيشية ومطلبية وتنظيمية، وخصّ منها، القيادة الجماعية وتطبيق الديمقراطية في داخل الحزب، ورفع مستوى الحزب السياسي والنظري. وأشار الحزب إلى السلبيات والنواقص والفهم الخاطئ لمبدأ القيادة الجماعية، ونوَّه إلى أنَّ عدداً من مناضلي الحزب، ومن بينهم أعضاء في اللجنة المركزية ما زالوا يعتمدون الأسلوب الفردي البيروقراطي في معالجة المهمات الحزبية، رغم تعاليم الماركسية – اللينينية القائلة بضرورة احترام مبدأ القيادة الجماعية، وضرورة تطبيقه في جميع الهيئات، فهو الذي يؤدي إلى تقوية نشاط مجموع الحزب ورفعه إلى مستوى أعلى، وتطوير المبادرة الخلاَّقة وروح المسؤولية لدى جميع أعضاء الحزب، وتربيتهم على الاهتمام الدائم والتفكير بمجمل مهمات الحزب ومناقشتها وحلّها.

ومن السلبيات التي أشار إليها اجتماع المركزية، أن بعض أعضائها لديهم اتجاه قوي للتهرب من المشاركة الفعالة في معالجة المهمات الرئيسية القيادية الكبرى السياسية والتنظيمية. وإن هذا الاتجاه أدى ويؤدي إلى إلقاء تبعات العمل القيادي والتوجيهي في الحزب، في جميع الميادين، على عاتق شخص واحد في القيادة هو الأمين العام للحزب.

وبحثت المركزية مسألة أخرى هامة، هي تطبيق مبدأ الديمقراطية  الداخلية في الحزب واحترامه، وهي من الشروط الأساسية للعمل الجماعي في جميع هيئات الحزب، ويتوَّج هذا المرتكز التنظيمي على تشجيع ممارسة الانتقاد والانتقاد الذاتي، ورفع مستواهما ليكونا سلاحاً فعَّالاً في كشف النواقص والأخطاء دون اعتبار للأشخاص.

وتطرَّق الاجتماع أيضاً إلى العمل الثقافي، فهو يشكل أحد أسلحة الحزب الفكرية. وكلما كان الشيوعي مُلمّاً بأسس الماركسية اللينينية، ومعرفة ألف باء النظرية ومتفرعاتها الفلسفية والأدبية والإبداعية، كلما أصبح أكثر معرفة نظرية عليه أن يعمل على تطبيقها وممارستها من خلال النضال اليومي، ونشر سياسة الحزب بين الجماهير الكادحة.

إن إيلاء الاهتمام للعمل الفكري والتثقيف النظري كما ترى اللجنة المركزية، يلعب دوراً رئيساً في بناء الحزب وتطويره، غير أن المجهود الذي بذلته هيئات الحزب المسؤولة حتى الآن في ميدان العمل التثقيفي ما زال غير كافٍ.

وانتقد بعض الرفاق في هذا الاجتماع الحلقات الثقافية، التي غالباً ما يكون عملها مطبوعاً بالجمود والانفصال عن حياة الحزب ومهماته. وما زال كثير من الرفاق المسؤولين يعتبرون الاهتمام بهذه الحلقات وبنشاطها من المهمات الثانوية.. والمطلوب.. و- على هذا الأساس – ينبغي إجراء تحسين ملموس في هذا الميدان.. وينبغي أن تدرك الهيئات المسؤولة أهمية العمل التثقيفي وضرورته القصوى للحزب.

إن العودة إلى التذكير بسياسة الحزب وعمله اليومي وخطته في ميادين النضال السياسي والمطلبي والعمل الجماهيري والتثقيف الحزبي النظري، والتوفيق بين النظرية والممارسة العملية يحمل الفائدة الكبيرة، ويشكل أحد الفصول التي يمكن قراءتها من جديد والعمل على تطويرها بما يتلاءم مع الواقع، في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الشيوعيين وأصدقائهم.

العدد 1105 - 01/5/2024