تاريخ فلسطين المعاصر… من تاريخ طوابعها البريدية

صدر في مدينة رام الله بفلسطين المحتلة، بالتعاون مع (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت) – طبعة ثانية – من كتاب (تاريخ فلسطين في طوابع البريد)، لمؤلفه نادر أبو الجبين. وتتضمن هذه الطبعة المكونة من (493 صفحة ملونة، من القطع الكبير المربع)، عدداً مهماً من الطوابع التي لم تكن متوافرة في الطبعة الأولى، وأضيفت إلى هذه الطبعة لتصدر بحلة أنيقة وشاملة، إذ تضم مجموعة الطوابع والأختام التي صدرت في فلسطين منذ العهد العثماني إلى ما بعد قيام السلطة الفلسطينية. ويشمل الكتاب كذلك طوابع فترة الاحتلال البريطاني، وطوابع الحكم المصري في قطاع غزة، والأردني في الضفة الغربية، وطوابع المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وطوابع الاتحادات والجمعيات، والانتفاضتين الأولى والثانية، والمجازر التي ارتكبت بحقه، والطوابع التي أصدرها مؤيدو الشعب الفلسطيني في الدول العربية والأوربية وأمريكا اللاتينية، وطوابع التضامن مع الشعب الفلسطيني، مع تقديم شروح لهذه الطوابع والظروف التي صدرت فيها باللغتين العربية والإنجليزية.

وقد أوضحت المؤسسة في تعليقها على الكتاب أنه (يروي من خلال طوابع البريد عروبة فلسطين عبر التاريخ، متوقفاً أمام جميع محاولات تقسيمها، بدءاً بإقامة المستعمرات الصهيونية الأولى في سبعينيات القرن التاسع عشر، وانتهاء بإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على جزء صغير من أرض فلسطين).

 

تاريخ من الحنين والاشتياق..

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في بيروت عام ،2001 وقد كتب مقدمته المفكر الفلسطيني الراحل الدكتور أنيس صايغ. وقد اشتملت الطبعة الثانية على ما كتبه د. صايغ في تقديمه للطبعة الأولى، ومما جاء في مقدمته: (يستمتع شعبنا بمشاهدة طوابعه ويتأمل فيها ويحن ويشتاق، وكلها مشاعر ناقصة ومبتورة، ردة الفعل الحقيقية والكاملة هي حينما تقض هذه الطوابع مضاجع استسلامه أو تخاذله أو استسلامه).

ويضيف د. صايغ: (عرفنا العالم ونحن صغار من الطوابع التي كنا نحصل عليها ونجمعها، وأحببنا العالم وتمنينا أن نزور دوله، ولم يَدُرْ في خَلَدِنا أن طوابع فلسطين ستشدنا إليها في غرامنا بها بهذا الشعور، أُقبل على مطالعة الكتاب مستمتعاً بمحتوياته ومعتزاً بجهد مؤلفه وشاكراً ناشريه، إنه كتاب يحمل رسالة).

ويوثق الكتاب  الأول من نوعه في عرض ودراسة الطوابع الفلسطينية تفصيلياً – في الجزء الأول منه تاريخ البريد في فلسطين والطوابع التي صدرت فيها خلال مختلف العصور. بينما يعرض الجزء الثاني معظم، إن لم يكن كل، الطوابع التي أصدرتها دول العالم عن فلسطين أو عن القضية الفلسطينية أو حولها. أما الأجزاء الثلاثة التالية، فإنها تعالج موضوعات هذه الطوابع: فالجزء الثالث يعرض إظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني لاجئاً ومقاوماً ومنتفضاً. ويعرض الجزء الرابع الطوابع التي تظهر القدس والعلم الفلسطيني وخريطة فلسطين والتاريخ المتعلق بها. بينما يعالج الجزء الخامس، الأخير، الطوابع التي تصوّر المعارك التي دارت على أرض فلسطين أو من أجل فلسطين.

ورغم أن مؤلف الكتاب أراد بعمله هذا أن يلبي حاجة الخبراء والهواة في ميدان الطوابع، وتاريخ الطوابع في بلاد الشام، إلا أنه عمل على تسجيل الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، من تهجير وتدمير للمنازل والآثار وحرق المقدسات واعتقال رجال الدين والمدنيين الأبرياء وارتكاب لمجازر التطهير العرقي.

مؤلف الكتاب مهندس مدني، وقد اعتمد في كتابه على كل ما جمعه من طوابع شخصية، على مدى خمسين عاماً، إذ تكونت مجموعته الشخصية من كل الطوابع التي تتعلق بفلسطين على مدار قرن من الزمان تقريباً، وهي تؤرخ لفلسطين على مدار هذه الحقبة الزمنية الطويلة.

ويَذكر المؤلف أبو الجبين (مواليد الكويت عام 1950) أنه سعيد لإنجاز هذا العمل، مبيناً أن الكتاب يضم 98% من الطوابع التي صدرت في فلسطين وعنها.

 

شواهد من الذاكرة الفلسطينية

يضيف الكتاب إلى المعرفة بتاريخ الطوابع، متعة بصرية أخاذة تثيرها رؤية مئات الطوابع الملونة وأختامها في حقب تاريخية متعددة. ويروي مؤلفه فصولاً من تاريخ البلاد، مشيراً أنه مع ظهور الطوابع البريدية في إنكلترا سنة 1840 أعلن عن فتح مكتب بريد عثماني في العام نفسه. ثم تزايدت هذه المكاتب في أنحاء الدولة. وبما أن الطابع لم يكن معروفاً فقد استُعملت أختام نحاسية مختلفة تدمغ على الرسائل يحمل كل منها اسم المدينة باللغة التركية، وبعضها كان يحمل تاريخ السنة التي صنع فيها الخاتم.

وفي أول كانون الثاني 1863م ظهرت في فلسطين أول الطوابع في العصر العثماني، شأنها في ذلك شأن جميع الأراضي الواقعة في ظل الحكم العثماني.

وفي عام 1863 افتتح في فلسطين تسعة مكاتب بريدية هي: مكتب القدس، يافا، عكا، بيت لحم، غزة، الخليل، نابلس، طبريا.

أما أول مكتب للبريد في القدس فقد افتتح مابين عامي (1840 و1846م)، وكان ينطلق مرة في الأسبوع إلى يافا وحيفا، وعكا، وصور، وصيدا، وبيروت ثم يعود أدراجه. وفي عام 1856م افتتح خط بريدي بين القدس ونابلس، وموعد انطلاق البريد من القدس أو بيروت يوم الأربعاء من كل أسبوع، ويوم الأحد موعد الوصول. وكان مكتب البريد في بيروت وفي بقية المدن الساحلية وكلاء لمكاتب البريد في القدس الشريف.

ويشير الكتاب إلى أنه إلى جانب المكاتب العثمانية كانت توجد مكاتب أجنبية في فلسطين، عملت على جذب المواطنين وأدّت دوراً كبيراً في خدمة القوى الأجنبية، في وقت بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية. وكانت إحدى الهيئات (الإكليركية)، في الناصرة قد أوجدت نوعاً من البريد الداخلي بمساعدة البريد النمسوي. وكان تأثير البريد الأجنبي واضحاً في المجال الاقتصادي والسياسي. وقد حاولت الدولة التركية في سنة 1881 بيع الطوابع العثمانية في دول الخارج بنصف قيمتها الاسمية التي ثبّتها اتحاد البريد العالمي، وهو أسلوب يقف أمام مزاحمة المكاتب الأجنبية. لكن النفوذ الأوربي أعلن عدم قبول الطوابع البريدية للتخليص على الرسائل، إلا إذا ألغت السلطة العثمانية هذا الحسم، وبالفعل أجبرت تركية على الرجوع عن هذا التدبير.

ودبت الفوضى في مكاتب البريد العثمانية مع تعاظم الخسائر المادية والعسكرية المتعاقبة في مرحلة الحرب العالمية الأولى، وأصبح البريد بطيئاً ومحصوراً بالخطوط البريدية البحرية.

ثم أقفلت مكاتب البريد نهائياً بعد دخول القوات المصرية التابعة لجيوش الحلفاء جنوب فلسطين في آذار سنة 1917 إثر معاهدة لوزان.

وفي عام 1920 أصبحت الإدارة في فلسطين مدنية، وعين هربرت صموئيل أول مندوبٍ سامٍ لبريطانيا. وتحت غطاء قرار عصبة الأمم في 23 أيلول 1922م كان الاحتلال البريطاني على فلسطين العربية.

في هذه المرحلة تغيرت الطوابع بتوشيحها بثلاث لغات، فلسطين في الأعلى و في الوسط وفلسطين بالعبرية في أسفل الطابع. PALiSTINE

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1917 استولت بريطانيا على القدس عاصمة فلسطين، التي التقت مصالحها ومخططاتها الاستعمارية مع أهداف الصهاينة، فقامت بدور أساسي ومفصلي في تهويد فلسطين وتوطين الغرباء الذين توافدوا إليها من أصقاع ما وراء البحار، فارين من بلادهم طمعاً في (الأرض الموعودة).

ومنذ النكبة عام 1948 ظهرت طوابع عربية تعبر عن المعاناة للشعب العربي في فلسطين، الذي شرد من أرضه.

العدد 1105 - 01/5/2024