برسم السيد وزير الصحة.. مخالفات وتجاوزات وفساد في حملات اللّقاح..!

لا أعتقد أني أجافي الحقيقة إذا قلت بأن المرحلة التي مرّت على سورية خلال سنوات الأزمة الثلاث المنصرمة، قد ترافقت بغياب تام للبقية الباقية من الضمير والأخلاق عند البعض ممّن ارتضوا الارتهان للمال الحرام، وهذا بطبيعة الحال جاء نتيجة انشغال الدولة بمعالجة الإرهاب الذي مازلنا نحاول الخلاص منه، والذي طال وتمدّد وتشعّب بشكل لم يكن يتوقعه احد.

لقد سُعدنا بجولة وزير الصحة خلال الشهر المنصرم على المرافق الصحية التابعة لمحافظة طرطوس، والتي من الواجب أن تكون على رأس خطة الإصلاح الشاملة في البلد للنهوض بالواقع الصحي المزري في طرطوس، بسبب المسؤولين والقائمين على هذه المرافق وتصرّفاتهم اللامسؤولة، التي لا يمكن أن نلمس من خلال تصرفاتهم وبرنامج عملهم أي تطوير لحال الصحة أو تحسن للواقع الصحّي.

إن ما وصل إلى مكتب جريدة (النور) من وثائق وملفات هي كافية للدعوة تحقيق شفّاف وفوري وسريع من قبل لجان مختصة تقومون بإرسالها من قبلكم، لا أن يتم الاكتفاء بالتحقيق المزيّف والمفبرك الذي تجريه الرقابة الداخلية.. وأعتقد أن معظم العاملين في المحافظة ليس لهم الثقة بالطريقة التي تتم فيها معالجة ما يصل من شكاوى.. وأسمح لنفسي هنا بسؤال مسؤول الرقابة الداخلية في المديرية: كيف يسمح لنفسه بتناول الغداء في مطعم فخم مع مدير المنطقة الصحية السابق في الدريكيش في اليوم نفسه الذي قدّمت شخصياً شكوى بحق الأخير؟ وللعلم فإن جواب مدير الرقابة عندما زرته منذ أيام كان بأن لا علاقة لهذا بالتحقيق في تلك الشكوى!

المهم وكي لا نبتعد عن الموضوع، فأعتقد أن ما سُرق من مال عام خلال حملات اللقاح في أواخر عام 2013 حتى الشهر السادس من عام 2014 كافية لاستنفار حقيقي يفضي إلى إزاحة كل من تثبت التحقيقات السريعة والدقيقة من قبل لجنة خاصة من الوزارة تورطه أو مسؤوليته، كما ذكرنا سابقاً، منعاً لتكرار عمليات الاختلاس والسرقة.

ماحدث في عمليات اللقاح التي تخص شلل الأطفال خلال العامين 2013-2014 لجهة وجود أسماء وهميّة مضافة، تدعو لطرح العديد من علامات الاستفهام حول وجود شبكة من الفاسدين الذين يتم التغطية على عملهم منذ سنوات على مايبدو، ولولا ذلك لما كان حدث ما حدث، فهل من المعقول أن يوجد عدد كبير من الأسماء من خارج العناصر التي لها علاقة باللقاح تتقاضى التعويض الذي لا تستحقه؟ الأسماء المذكورة لم تشارك في حملة اللقاح أبداً، وجداول التعويض المالي لدى المحاسب (شادي. ميهوب) في دائرة الرعاية تثبت ذلك..

إن فتح سجلات اللقاح خلال شهر كانون الأول 2013 تبين كيف تم توزيع التعويض المالي المبتور للمشاركين في حملات اللقاح دون وجود محاسب ودون وجود جداول اسمية بحيث لا يعرف العامل قيمة التعويض المالي الذي يستحقه، فلماذا يجري ذلك؟ ولمن اقتطع جزء من هذا التعويض؟! من المضحك أنه بتاريخ 3 تموز 2014 قدّم مدير المنطقة الصحية كتاباً برقم 1679 يطلب فيه التحقيق في الأسماء الوهمية المضافة وعددها نحو 36 اسماً، والغريب في الأمر أن هناك نحو 18 اسماً غير موجودة على قيود مديرية صحة طرطوس بالكامل، والكتاب تم إعداده من قبل رئيسة شعبة شؤون العاملين في مديرية الصحة وقد أودع لدى دائرة الرقابة دون أن يتم أي إجراء، فإذا كان هذا العدد من الأسماء الوهمية في دائرة واحدة فكم هي الأسماء الوهمية على مستوى المديرية؟!

من الواضح أن هناك طبيباً قام بإنجاز ملف الترصّد التغذوي بالكامل، ولكن بدلاً من أن يندرج اسمه في استحقاق التعويض المناسب عن ذلك العمل فإن التعويض ذهب لطبيب آخر لم يقم بأي عمل إشرافي ميداني، وجدول التعويض المالي يؤكد صرف التعويض لمن لم يقم بإنجاز الملف المذكور، فكيف تم ذلك؟!

لم يقف الأمر عند اختلاس مبالغ مالية بإضافة أسماء وهمية، بل تعدّاه إلى وجود خلل في توزيع عناصر اللقاح الإضافية على المناطق، دون مراعاة الواقع والحاجة الفعلية لهذه العناصر وعدد المراكز الصحية وبالتالي عدد الأطفال لضمان تغطية كافية لجميع الأطفال، فهل من المعقول أن يقوم رئيس دائرة الرعاية في مديرية الصحة بطرطوس بإعطاء منطقة طرطوس والصفصافة مثلاً- اللتين- تضمان نحو 60 مركزاً صحياً  ومركز إيواء-   70 عنصراً إضافياً وهم يغطون نحو 50% من مجموع أطفال المحافظة بينما يعطي منطقة أخرى كالشيخ بدر مثلاً التي لا يتجاوز عدد مراكزها 12 وتقوم بتلقيح 5% من أطفال المحافظة  60  عنصراً إضافياً؟!. من المسؤول عن التوزيع وما الغاية من ذلك؟! وبالعودة للأسماء الوهمية فإن مقارنة بسيطة بين الأسماء المرسلة من المناطق الصحيّة الموقّعة والممهورة بخاتم المنطقة إلى مديرية الصحة مع جداول التعويض المالي في دائرة الرعاية،  والأسماء التي رُفعت للوزارة يتضح الخلل والتلاعب وإضافة الأسماء تمت في مديرية الصحة، فمن هم المسؤولون عن هذا؟ ولماذا لم تقم الرقابة الداخلية بمساءلة المعنيين واكتفت بحرف التحقيق باتجاه واحد؟! لماذا لم تقم الرقابة الداخلية بالتحقيق مع رئيس دائرة الرعاية، بصفته المسؤول المباشر عن استلام كل الأسماء المرشحة لفرق اللقاح من المناطق وتجميعها، وبالتالي فهو المسؤول عن الأسماء الوهمية المضافة لترشيحات المناطق؟ ومن الجدير ذكره أن هناك أسماء لا علاقة لها بدائرة الرعاية مثل (د. غ. س) الذي يعمل بدائرة البيئة، إضافة إلى (ل. ر) التي تعمل في دائرة البيئة أيضاً وغيرهم وغيرهم، فمن المسؤول عن إضافة الأسماء من دوائر أخرى ومن بعض المشافي في المحافظة؟!. الأمر بسيط ولا يحتاج إلى حواسب وكمبيوترات ومعادلات.. الأمر لا يحتاج إلاّ إلى مقارنة بسيطة بين اللوائح الموقعة من مديري المناطق وتلك التي صدرت عن المديرية.

وهناك موضوع آخر يتعلق بـ (د.ع. ك) فهو لم يشارك في حملة شهر شباط ولكنه قبض التعويض المالي.. وهنا يجب الإشارة إلى وجود أسماء كثيرة أيضاً أضيفت إلى المقيمين لحملات اللقاح وهي وهمية.. إضافة إلى الترهل الكبير في دائرة الرعاية وعدم قيام رئيسها الذي لا يغادر مكتبه إلا نادراً بمتابعتها على أرض الواقع من خلال الزيارات والجولات (يجب أن يوجد توقيع على سجل الزيارات في المراكز التي قام بزيارتها) علماً أنه قبض عن عدد غير قليل من الجولات الوهمية التي لم يقم بها، وهناك عشرات الكتب الإشرافية تشير إلى التقصير في المراكز الصحية ولكنه لم يتخذ أي إجراء!

كيف يمكن أن يتم بتاريخ 17 تموز 2014 تجاوز القوانين من قبل رئيس دائرة الرقابة وإرسال كتاب إلى مدير الصحة المعفى (د. ي. ا) يقترح فيها إعفاء أحد الأطباء الذي قام بإجراء عشرات الأبحاث والدراسات والاستبيانات من مهامه مديراً للمنطقة الصحية بطرطوس دون إجراء أي تحقيق مع الطبيب المذكور، في حين سمح رئيس دائرة الرقابة لزوجة الطبيب المذكور الدكتورة (ر. د) بالاطلاع على نتائج التحقيق مع بعض العناصر مقابل توقف زوجها عن الكتابة على الإنترنيت أو التحدّث إلى الجهات العليا!

وسؤال آخر نضعه برسم الرقابة الداخلية في مديرية الصحة بطرطوس: كيف يمكن أن يمر موضوع يتعلق بنقل الممرض (ع. م. ر) القادم من مديرية صحة الرقة من منطقة طرطوس الصحية إلى مركز الشيخ سعد الصحي بتاريخ 31 تموز 2013 ويتم إعادة نقله من مركز الشيخ سعد الصحي إلى منطقة طرطوس الصحية بتاريخ 1/8/2013 أي بعد يوم واحد فقط؟! كيف يتم ذلك وفي أدراج المدير السابق المعفى عشرات الطلبات التي تحتاج إلى قرار؟! هل حقّقتم مع العامل المذكور لتبيان السبب؟!

إذا كان قرار إعفاء مدير الصحة السابق  (د. ي. ا) قد صدر بتاريخ 28 أيلول 2014 فكيف لرئيسة شؤون العاملين (غ. ب) ولرئيس الشؤون الإدارية (ع. ك) أن يوقعا على كتاب يتعلق بنقل عناصر من الطبابة إلى مراكز صحية بشكل تعسفي؟!

لكل ما سبق ولأكثر من ذلك نلتمس من سيادتكم سيادة الوزير إيلاء هذا الموضوع قدراً من اهتمامكم وإرسال من يضع حداً للتمادي في الفساد، لأن بقاء منظومة الفساد في مديرية الصحة بطرطوس لن يترك مجالاً لأي عملية إصلاح وتطوير لتحسين الواقع الصحي في هذه المحافظة مطلقاً، ومنطلقنا في هذا الالتماس هو حب الوطن وأهمية هذا المرفق الحيوي، وما زلنا نتوسم في سيادتكم نزعة الإصلاح واستئصال الفساد، إذ لا يقف الأمر عند إعفاء المدير مع بقاء من تربعوا على رأس الخلل لسنوات وسنوات.. وما زالوا.. فهل من تحقيق وزاري خاص؟!

العدد 1105 - 01/5/2024