الأربع العجاف

سنوات أربع مضت ودماء الشهداء تروي أرض سورية، وما يزال التحالف الإقليمي والدولي يرسم خريطته بدماء السوريين.. وفي المقابل يحقق الجيش السوري هزائم للجماعات المسلحة في مناطق عدة. ويقدَّم الشعب السوري كل يوم التضحيات الكبيرة، دفاعاً عن الوطن وحفاظاً على كرامته وقراره المستقل،وتتكلل أيامه بالصبر.. يعاني من الغلاء وتدنّي الأجور والبرد وفقدان المازوت وانقطاع الكهرباء.. وازدياد متطلبات الحياة وتكاليف المعيشة، وصعوبة التنقل بين المناطق في داخل المدن وبين المحافظات، وارتفاع أجور النقل المذهل الذي فاق كل التوقعات.

وبعد سنوات أربع من الأزمة كذب من يقول إنَّ السياسة الأمريكية وحلفاءها الخليجيين والعثمانيين لن تشيخ. ومن يدقق في وجوه الرؤساء الأمريكيين بشكل جيد يرى أنهم كما نشرت (صحيفة التايمز)، وبعد مرور فترة بسيطة من توليهم مناصبهم، يشيخون أسرع مرتين من أقرانهم. وظهرت على أوباما علامات التقدم في العمر وغزا الشيب شعره بعد مرور أربعة وأربعين يوماً على انتقاله إلى البيت البيض. وليس – كما قرأنا – منذ عقود (أن الرأسمالية لا تشيخ). فالأزمات الاقتصادية والمالية منذ الربع الأول من القرن الماضي ما تزال تتكرر، ولم تضمّد جراح الرأسمالية وتجف دماؤها بعد من آثار أزمة 2008 رغم التحصينات والإغاثات والقروض من الصناديق الدولية، فكل شيء يتعرض للشيخوخة.. الأرض تجف أثداؤها وتيبس، والأشجار تتساقط أوراقها ولا تثمر إذا لم تروَ، وتتلف خلايا الدماغ إذا لم يزوّد الإنسان بالغذاء والفيتامينات اللازمة للنمو والتجدد. وكذلك ستظل الأزمة السورية والعراقية مستمرتين ما دامت الولايات المتحدة وحلفاؤها السعوديون والقطريون والأتراك يمدّونهم بالمال والسلاح، وما دامت الولايات المتحدة تتبع سياسة المكيالين وتكذب وتراوغ في مواقفها، وتجهّز معسكرات التدريب لتجهيز خمسة عشر ألف مسلّح خلال ثلاث سنوات وإرسالهم إلى سورية.

وإذا أصيب (ملك أو صاحب إمارة أو مالك يخت أو باخرة نفط)، سرعان ما تستنفر السياسة الأمريكية وتكون على أهبة الاستعداد (عسكرياً وطبياً)، خاصة بعد أن تعرضت مملكة الرمال إلى عدة هجمات من المسلحين الذين (تلقوا أصول التربية الوطنية والقومية في السعودية).

لقد أصيبت السياسة بالبرد القارس، وهطلت الثلوج في المنطقة وتغير الطقس، وأصيب بعض السياسيين المتفائلين بجلوس المعارضين حول طاولة الحوار التمهيدي الذي دعت إليه موسكو أواخر هذا الشهر بخيبة أمل، بعد أن خرج (الائتلاف) من اجتماعه في إسطنبول بانتخاب أربعة أعضاء يمثلون أربع جنسيات هي: (تركية، كندية، أمريكية، أسترالية). وأحجم (المعاذ وبناء الدولة) عن المشاركة، السؤال: هل هؤلاء من يجري الحوار معهم؟

ما تزال سياسة التحالف الدولي وسنده الداعم والموازي له العرب الرجعيون، ينفذ ما رسمه كسينجر و(دعاة الديمقراطية والثورات العربية). ويتذكر المتابعون للسياسة الأمريكية ما قاله كيسنجر في عام 2012: (إنَّ ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم بما يسمى ثورات الربيع العربي، تنفيذ برنامج ناجح حسب السيناريو الموضوع للمنطقة).وما قالته كونداليزا رايس عام 2005 : (إن نظرية الفوضى الخلاَّقة هي السبيل لإعادة صياغة المنطقة).

لقد حملت مبادرة موسكو بعض التفاؤل، وأنعشت الأمل في نفوس الشعب السوري،بأن يكون الحل السياسي بديلاً عن القتال، وأن تكون المعارضة السورية على مستوى هذا الحل، لكن التناقض في مواقف (الائتلاف) ونقض ما تمّ الاتفاق عليه مع المعارضة في داخل سورية، نسف الاتفاق الذي أعلن عنه في (القاهرة)، وترافق مع قدوم العاصفة (زينة أو هدى) التي كست الأرض ثوباً أبيض. وجعلت (ديوك التكفيريين والظلاميين) يتحصنون في مغاور القلمون.

وظل الموقف الروسي في ثبات، ووجهت دعوات الحضور على أساس شخصي وليس حزبياً.. وسيتم اللقاء بمن يحضر من 28 مدعواً، إضافة إلى وفد الحكومة السورية.

السؤال: هل يحقق لقاء موسكو التمهيدي خطوة متقدمة للحوار ومناقشة ورقة عمل يتفق عليها الجميع، ويتم التوصل إلى حل سياسي؟

هذا ما يحتاج إلى متابعة في أواخر كانون الثاني.. والتمنيات بأن تكون بداية العام الجديد فرصة جيدة للآمال…!

العدد 1107 - 22/5/2024