شاخصات سياسية على الطريق بين القاهرة وموسكو

لقد زُيّن الطريق بأنوار ملونة على مئات الكيلو مترات بين العاصمتين (القاهرة وموسكو)، لكشف العثرات من حُفرٍ ومطبات، وتبديد الضباب في طقس قارس وثلوج وجليد.

وبيّن التاريخ الطويل المشبع بالحروب والانتصارات والهزائم، أنَّ السياسة تنحني في الأزمات التي تعصف بأمة من الأمم أو بشعب من الشعوب أمام الاقتصاد، ولكن ليس دائماً، وربما يكون الاقتصاد مطواعاً للسياسة واختصار الطريق والوصول إلى حلّ يعيد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حالتها الطبيعية.

هناك تصريحات لدبلوماسيين وسياسيين فيها رائحة السلام وآمال مترافقة بمساعٍ حثيثة، ومبادرات تختصر طريق القتال والحروب وتضخ أكسجين الحياة السلمية إلى سورية كي تعود إلى مكانها الطبيعي.

 سنوات أربع من عمر الأزمة وما أفرزته على جميع المستويات، نتج عنها مزيد من نزيف الدماء وصديد الجروح والتضحيات الكبيرة للجيش السوري والشعب السوري الصابر الذي عانى كثيراً من الأضرار التي لحقت به، وذلك في سبيل الحفاظ على وطن تظل راية الاستقلال والكرامة ووحدة شعبه مرفوعة في سمائه.

وجاءت مبادرة (موسكو1) بعد لقاءات ومشاورات مع الحكومة السورية ومع أطياف المعارضة (في الداخل والخارج). وتباينت نتائج هذه اللقاءات وتباعدت الآراء، بين من ما يزال يحاول فرض شروط مسبقة من (الائتلاف)، ومن طلب أجوبة على أسئلته من موسكو (هيئة التنسيق). فقد قرر (الائتلاف) المنقسم على نفسه والذي توزع على كتل عدة، عدم الذهاب إلى موسكو. أما (هيئة التنسيق) فيظهر الدخان الأبيض يوم السبت (17 كانون الثاني). وقبل ذلك أكد لسان حالها أكثر من مرة مطلبها المتضمن (أن تكون الدعوات الموجهة إليها سياسية وليست شخصية)، وقد سمح المكتب التنفيذي للهيئة بمشاركة أحد عشر عضواً وصديقاً للهيئة.

وسيكون لقاء القاهرة في الثاني والعشرين من هذا الشهر بين ممثلي المعارضات الذي خفض عدده من 75 إلى 22 مدعواً جاهزين للسفر إلى القاهرة وقد تأجل اللقاء إلى آذار أو نيسان، وذلك للتشاور في النقاط التي يمكن الاتفاق عليها وعرض ورقة العمل هذه في اللقاء التمهيدي مع وفد الحكومة السورية، في الاجتماع المزمع عقده في موسكو يوم 26 من الشهر نفسه.

وفي أجواء الحراك الدبلوماسي الجاري بين أطراف إقليمية ودولية، يبدو أن هناك إشارات توحي بوجود تقارب (مصري – سوري)، سيعيد القطرين العربيين إلى ما كانا عليه تاريخياً، وتوحيد الصف والموقف لمواجهة التحالف التركي – القطري، الذي يدعم المسلحين والقتلة ضد الشعب السوري من جهة، وسحب الملف من أيديهما والدفع باتجاه (موسكو1) من جهة ثانية.

إن مبادرة موسكو نالت تأييد الولايات المتحدة الأمريكية، كما يظهر من تصريحات جون كيري، الذي أيد المساعي الروسية لجمع الأطراف السورية في محادثات سلام.. ووجه سيرغي لافروف من جهة ثانية رسالة تحذير للمعارضة بأنها ستفقد مواقعها في مجمل العملية التفاوضية إذا امتنعت عن حضور لقاء موسكو مع وفد الحكومة السورية، لكنه خففها مؤخراً. أما هيجان الرئيس الفرنسي (هولاند) فيثير الكثير من إشارات التعجّب والاستفهام، على الرغم مما حلَّ بباريس منذ أيام من عملية إرهابية استنفرت أوربا قاطبة ونحو 122 ألفاً من قوات الأمن والجيش الفرنسي لحراسة المؤسسات والمراكز الهامة في المدن الفرنسية. ويقول هولاند وهو يمسح دموع التماسيح: (ما زلت أبدي أسفي لأن المجتمع الدولي لم يتحرّك في الوقت المناسب لوقف المجازر في سورية ومنع المتطرفين من توسيع سيطرتهم أكثر..؟!).

أسئلة تتكرر كل يوم في الصحف وفي الشارع السياسي، حول الحصار الأوربي والأمريكي على سورية وروسيا، خاصة في تخفيض أسعار النفط، والأثر السلبي على الاقتصاد الروسي أولاً، وعلى الاقتصاد الإيراني ثانياً، وانعكاسه سلباً على مستوى حياة ملايين المواطنين.

وفي قراءة أولية لانخفاض أسعار النفط، تبيّن هبوط في قيمة الروبل 40 في المئة، منذ مطلع العام الحالي. وتراجعت البورصة الروسية بنسبة 40 في المئة أيضاً منذ منتصف تموز الماضي. إن تراجع سعر برميل النفط دولاراً واحداً يؤدي إلى خسائر فادحة في الخزانة الروسية تصل إلى 7,4 ملايين دولار يومياً، علماً أن عائدات النفط والغاز تمثل 50 في المئة من إيرادات الحكومة الروسية. وقال أحد صقور البيت الأبيض: (إنَّ السعودية هي المسؤولة عن تدهور الاقتصاد الروسي)، وبذلك يكون قد بدد شكوك من يقول: (السبب المباشر هو قرارات الحصار الأمريكية – الأوربية).

العدد 1107 - 22/5/2024