قرارات صادمة!

فوجئنا كما فوجئت الجماهير الشعبية في البلاد بالقرارات (الصادمة) التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، برفع سعر ليتر المازوت من 80 إلى 125 ليرة لليتر، ورفع سعر أسطوانة الغاز من 1100 إلى 1500 ليرة،  ورفع سعر ربطة الخبز من 25 إلى 35 ليرة، مقابل تعويض معيشي مقداره 4000 ليرة شهرياً يمنح للعاملين والمتقاعدين والمتعاقدين السنويين المدنيين والعسكريين،  دون شمول هذا التعويض الفئات الاجتماعية الأخرى التي لاتعمل في الدولة والقطاع الخاص النظامي.

والغريب في الأمر أن وزير التجارة الداخلية و(حماية) المستهلك أكّد أن قرار زيادة أسعار المازوت، جاء (استجابة لمطالب المواطنين، وكل قطاعات الشعب والمنظمات الشعبية بقصد منع الاحتكار والتهريب والفساد والمحافظة على الثروة الوطنية)!

ونتساءل اليوم: لماذا نستسهل إيجاد الحلول على حساب الفئات الفقيرة؟ ثم نضع التشريعات التي تحفز.. وتشجع.. وتدعم الفئات الثرية.. المقتدرة.. والطفيليين الذين نبتوا كالفطر في كل مكان؟ لماذا لم نلجأ منذ بداية الأزمة إلى تعديل التشريعات الضريبية لرفد خزينة الدولة من مراكمي الأرباح.. والريوع الكبيرة، ومن محاسبة الفاسدين.. والمتهربين من الضرائب.. وأصحاب الصفقات الكبرى؟ وهل نحن أمام تراجع مكشوف عن الدعم الحكومي للفئات الفقيرة والمتوسطة الذي كانت القيادة السياسية تعدّه من المكتسبات التي قدمتها للكتلة الشعبية الكبرى؟! إن عبء الصمود يجب ألا تتحمله الجماهير الشعبية فقط.

المسألة هنا لا تتعلق برفع سعر مادة تحتاجها فئة اجتماعية محدودة، بل على وجه الخصوص بالمازوت الذي تتأئر بارتفاع سعره جميع القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، لتنعكس في النهاية زيادة في أسعار جميع السلع الأساسية الضرورية لمعيشة المواطنين، وتزيد من معاناة الجماهير الشعبية التي كانت وما زالت السند الأساسي لصمود بلادنا.. والداعم الرئيسي لقواتنا المسلحة في مواجهتها للإرهاب المدعوم من الإمبريالية الأمريكية وشركائها.

وجاء التعويض المعيشي الشهري البالغ 4 آلاف للعاملين في الدولة ومتقاعديها ليزيد من الإجحاف اللاحق بالفئات الفقيرة الأخرى التي لاتعمل في الدولة والقطاع الخاص النظامي وليس لها مورد.. أو دخل، أو كانت تعمل في القطاع الخاص غير النظامي وسُرحت من عملها بعد بداية الأزمة، والحصار الاقتصادي الجائر، أو تلك الفئات التي تعيلها نشاطات هامشية صغيرة، أو العمال الزراعيين.. ونسأل ثانية: لماذا استثنينا هذه الفئات من التعويض المعيشي الشهري؟! وكيف ستتدبر أمورها في ظل الارتفاعات القادمة لأسعار المواد بعد زيادة أسعار المازوت والغاز؟! وهل سينفذ القطاع الخاص تعليمات وزارة العمل بمنح هذا التعويض لعماله في حالة الركود التي تتعرض لها أنشطته الصناعية والإنشائية والتجارية؟

والسؤال هنا:إذا كان وسطي الأجور في القطاع العام اليوم نحو 18000 ليرة سورية، وفي القطاع الخاص نحو 15000 ليرة سورية، فتخيلوا كيف يتدبر العاملون معيشتهم في ظل انخفاض أجورهم الحقيقية، وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، خاصة بعد أن أدت تداعيات الأزمة.. والحصار الظالم على سورية وحالة الركود الاقتصادي إلى زيادات كبيرة على أسعار جميع المواد الأساسية لمعيشة المواطن السوري بلغت نسبتها بين 100و600%؟!

منذ بداية الأزمة، تعرض المواطن السوري لأقسى أشكال المعاناة والحصار، لكنه ظل صامداً، ونشدد هنا على صموده الأسطوري الذي كُتب وستكتب حوله آلاف الصفحات، أمام التفجيرات الإرهابية.. ومحاولات التفتيت الطائفي.. وسيناريوهات العدوان على سورية.. والتدخل المتعدد الأشكال للإمبريالية الأمريكية وحلفائها.. صمد في وجه الحصار الاقتصادي الجائر، وشدَّ على البطن أكثر فأكثر، واخترع وسائل مبتكرة لتدبير حاجاته الأساسية ولقمة عيشه، فنجح مرة، وأخفق مرات.. وقف على المتاريس مدافعاً عن بلاده في وجه أشرس اجتياح إرهابي مدعوم من أمراء النفط والدولار، وكان مطلبه الوحيد من أصحاب القرار هو مساعدته ليبقى صامداً، ليدافع عن سورية، ويمنع تقسيمها وتفتيتها، لكن هذا المطلب كان كما يبدو ثقيلاً على أصحاب القرار، وهاهم اليوم يتجاوزون جميع الخطوط الملونة، ويحمّلون المواطنين الفقراء..الصامدين..الباقين في بلادهم ..ما لا قدرة لهم على تحمّله.

إننا نرى أن توجه الحكومة نحو تحرير الأسعار سيكون وفق جميع المقاييس تهميشاً لمصالح أكثرية الشعب السوري وزيادة لمعاناتها، وتحيزاً لصالح الفئات القليلة..الأقوى والأغنى في المجتمع.

إذا كان الدافع لتخفيف الدعم هو إيجاد موارد مالية جديدة للخزينة، فإن القناعة لم تتوفر للمواطنين أو المتخصصين بأن كل الإمكانات قد بُذلت لإيجاد هذه الموارد، خاصة في ظل الفساد المستشري والهدر المستمر.. وإذا كان الهدف هو منع التهريب فإن ليتر المازوت في لبنان الشقيق يبلغ سعره 90 ل.س.

فلتبحث الحكومة، بكل الوسائل، وبالتعاون مع جميع القوى المخلصة، عن سبل لإيجاد موارد جديدة.

واستناداً إلى ما ذكر، فإننا غير موافقين على تحميل الفئات الشعبية عبء تغطية العجز في خزينة الدولة أو تخفيف الدعم على السلع الشعبية، ونطالب بالإبقاء على سياسة الدعم التي هي إحدى سمات الدولة الوطنية.

إن استمرار صمود سورية في وجه الإرهاب والتدخل الخارجي مرتبط بدعم الكتلة الشعبية الكبرى التي تُعد الركيزة الرئيسية لهذا الصمود ورعايتها.. لا بإنهاكها.

العدد 1105 - 01/5/2024