انتفاضة «هنّ» في العالم العربي… بحثاً عن الحرية

منذ وصول التيارات الإسلامية السياسية إلى سدة الحكم، في ما عرف ب(دول ثورات الربيع العربي)، أعلنت شريحة واسعة من النساء العربيات عن مخاوفهن من تهاوي حقوقهن التي حصلن عليها في العقود الماضية. بعد أن كنَّ يأملن بالمزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. غير أن ما حدث ويحدث اليوم يؤكد أن لا ربيع لهن في هذا (الربيع الذكوري).
وفي محاولة لإسماع أصواتهن أحدثت مجموعة من الناشطات في المجال الحقوقي صفحة في الموقع التشاركي الاجتماعي (الفيسبوك) بعنوان (انتفاضة المرأة العربية في العالم العربي)، تحت شعار (معاً من أجل نساء ينعمن بالحرية، والاستقلالية، والأمان في العالم العربي)، وقد حددت فيها جملة من مطالبهن: بدءًا بحرية الفكر، وصولاً إلى المطالبة بالحماية ضد العنف الأسري، مرورًا بحرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية التنقل، وحرية الجسد، وحرية اللباس، وحرية السكن، وحرية القرار، وحرية الزواج، وحق الطلاق، وحق الاستقلال، وحق التعلم، وحق العمل، وحق التصويت، وحق الترشيح، وحق الإدارة، وحق التملك، والمساواة في حضانة الأولاد، والمساواة في العمل، والمساواة في المجتمع.
نساء كثيرات عبّرن عن رأيهن، ووضعن مشكلاتهن في هذه الصفحة، التي تعدُّ اليوم نافذة للكثير من الفتيات والنساء العربيات للإعلان عن مطالبهن وتأكيد تمسكهن بحقوقهن.
ومن طرائف الصفحة، مطالبة القائمات عليها النساء والرجال المؤيدين لهن بإرسال صورهم، وهم يرفعون لافتات مكتوباً عليها مطالبهم في مجال حقوق المرأة، وهو ما تفاعل معه كثيرون.
كما تنشر الصفحة بيانات تؤكد فيها حقاً من حقوق المرأة في هذا البلد العربي أو ذاك. وقد كان آخر بيان نشر في هذا الأسبوع حول دعم حقوق المرأة العربية التي حرمت من أبسط حقوقها أو تلك التي انتهكت بعضاً من حقوقها. مثال ذلك: حرمان المرأة السعودية من قيادة السيارة، لا بل وتجريمها. جاء في البيان الذي شُهر للتوقيع عليه بمناسبة (يوم المرأة العالمي): (نحن مع انتفاضة المرأة في العالم العربي من أجل أن تكون المرأة السعودية ولية أمرها كي تقود سيارتها وحياتها، من أجل المغربية أمينة الفيلالي التي زُوّجت لمغتصبها ودفعت حياتها ثمناً، من أجل ياسمين البرماوي وغيرها ممن تجرأن على فضح الإرهاب الجنسي والتحرّش الجماعي في مصر، من أجل الشابة التونسية التي اغتصبها شرطيان، فاتُهمت هي بخدش الحياء العام، من أجل نساء سورية الثائرات ومن أجل اللواتي يغتصبن بالمئات ويعاملن كسبايا في مخيمات اللجوء، من أجل بغداد عيسى التي قتلها أخوها في لبنان باسم (الشرف)، من أجل قاصرات اليمن اللواتي يزوَّجن وهنّ في عمر الطفولة، من أجل الأسيرات الفلسطينيات خلف قضبان الاحتلال، والأردنيات المناضلات من أجل حقهن في منح الجنسية لأبنائهن، من أجل كلّ امرأة في كل أرجاء العالم العربي تخوض حرباً يومية في المنزل والشارع والجامعة ومكان العمل لتمتلك جسدها وحرية قرارها وحياتها. من أجلنا جميعاً، من أجل مجتمعاتنا التي لن تكتمل ثوراتها بدوننا، نحن مع انتفاضة المرأة في العالم العربي. ونعلن أنه منذ الآن حتى تحقيق جميع مطالبنا وإلغاء كل أشكال التمييز اللاحق بنا على المستوى الحقوقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، سيكون كل يوم هو يوم المرأة).
وفي كل يوم تنشر مجموعة من الناشطات صوراً لهن يؤكدن فيها محاربتهن للنظرة الذكورية التقليدية تجاه المرأة، فنقرأ لإحدى التونسيات قولها: (في بلادي الجميلة، رجال ناقصو عقل، وناقصو قلب، وناقصو حبّ. يحملون عقدة نقص أزليّة تجاه الأنثى. هذه العقدة العجيبة تكبر وتتمدّد وتأكلهم من الداخل، وتُفرغهم من أسرار الحياة وأسرار الفرح، فتقودهم في غباء مقرف إلى تشويه أقدس ما في جسد الأنثى، عساه يصير جسدًا أخرس. أولئك الناقصون لا يعرفون أنّ التشوّه الحقيقي إنما هو داخلهم وفي صميم رجولتهم).
وبمناسبة (يوم المرأة العالمي) المصادف ليوم الثامن من آذار، أطلقت ناشطات الصفحة حملة فريدة من نوعها في عدد من البلدان العربية، تتمثل في نشر صور من الحجم الكبير لفتيات يحملن لافتات كتب عليها مطالب كل امرأة حسب واقع البلد الذي تعيش فيه. تقول إحدى الناشطات: (اليوم، في ذكرى يوم المرأة العالمي، ستخرج صفحة (انتفاضة المرأة في العالم العربي) مرّة أخرى إلى الشارع، لتفاجئ الجماهير بصور النساء على المباني الضخمة في ثمان من المدن العربيّة (بيروت، صنعاء، القاهرة، تونس، رام الله، بنغازي، طنجة، عَمّان). ستحكي الصورة عن حقوق المرأة، إلى جانب كلمات القائمات على الصفحة اللواتي يرين أن (الإطاحة بالدكتاتوريات هي الجزء الأسهل، لكن لكي تكتمل الثورة، علينا الإطاحة بالذكورية التي تجعل من كل رجلٍ دكتاتوراً… علينا نحن النساء أن نكمل الثورات، إما أن تكون الثورات كاملة بنا أو لا تكون).. وبالفعل قامت مجموعة من الفتيات والنساء العربيات بالترويج لهذه الحملة. من ذلك نشرت ثلاث فتيات صورةً لهن على مبنى (زيكو هاوس) في بيروت مكتوباً عليها: (أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي، لأني أريد أن يراني المجتمع امرأةً أولاً، قبل أن يراني أماً، زوجةً، ابنةً). وتنشر فتاة مغربية تدعى مروة على مبنى السينما في طنجة، لافتة كتبت عليها (أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي، لأني لن أصمت أمام التحرش الجنسي الذي أتعرض له يومياً في الشارع).
وتعدّ هذه اللافتات الضخمة مبادرة جديدة أطلقتها حركة (انتفاضة المرأة في العالم العربي) بمناسبة (اليوم العالمي للمرأة). وقد قامت بهذا النشاط مجموعة متطوّعة من ناشطات وناشطين مستقلين، بالتعاون مع مؤسسات ومبادرات منها (المرأة قضية وطن)- الأردن و(فلسطينيات) – فلسطين و(المرأة الجديدة) – مصر، بدعم من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إضافة إلى أصحاب المباني المشاركة والخزانة السينمائية بطنجة. وحسب القائمين على الصفحة فإن هذه الصور التي ستُعلّق في الشارع العربي في يوم واحد هي رسالتنا لنندد بالظلم الذي تواجهه النساء في منطقتنا، لنحتفل بالنساء المنتفضات اللواتي يطالبن بحقوقهن ويدافعن عن حرياتهن، ولنؤكد أن الثورات قامت من أجل الكرامة والعدالة والحرية، والمطالب الثلاثة هذه لا يمكن تحقّقُها بتغييب المرأة عن المشهد العام.
 

العدد 1105 - 01/5/2024