الفنانة وفاء موصللي: تعاملت مع البيئة الشامية وكأنها عمل لشكسبير

مسيرة من العطاء استمرت لسنوات مليئة بالتعب والجهد والإصرار على النجاح، الموهبة اقترنت بالدراسة والتطوير احتاج دوماً إلى تجديد القدرات من خلال المتابعة في شتى المجالات التلفزيونية والإذاعية والمسرحية وحتى الدوبلاج، إنها الفنانة المحبوبة وفاء موصللي التي اشتهرت مؤخراً بشخصية وصال، وبات هذا الاسم يلاحقها أينما ذهبت.. عن تجاربها الفنية وجديدها وحياتها وعلاقتها مع البيئة والفن كان لنا معها هذا الحوار:

* ماذا تعني لك أعمال البيئة؟

** أول عمل مثلته بعد عودتي من روسيا ضمن سلسلة أعمال البيئة الشامية كان (أبو كامل) ثم (أيام شامية) ثم (باب الحارة)، ومن خلال هذه الأعمال الثلاثة أقول إني تعاملت مع البيئة الشامية وكأنها عمل لشكسبير، وكنت مضطرة أن أجمع سلوك المرأة وطبيعة العادات والأمثال في ذلك الزمن، وهذا الأمر احتاج مني إلى جهد كبير، كما أني شعرت بالصعوبة خاصة أني أقف أمام العمالقة هالة شوكت، هالة حسني، هدى شعراوي، سامية الجزائري، منى واصف، نجاح حفيظ، لذلك صنعت مخزوناً بيئياً وشامياً لأنجح، وهذا ما فعلته من قبل في أعمال البيئة الريفية فقد جمعت مخزوناً لمفردات الريف والأمثال والغناء الريفي، أي عمل يحتاج من الممثل أن يعود إلى بيئته وزمنه وفولكلوره الخاص به حتى لو كان (مودرن).

* لكن الناس أصبحوا ينتقدون فكرة الأجزاء في مسلسل (باب الحارة) رغم أنه لاقى نجاحاً كبيراً في أول أجزائه، وأغلب الانتقادات كانت تشير إلى أن العمل بات مستهلكاً بأفكاره فلا جديد يذكر، ما ردّك؟

** يعترضون على عرض أجزاء جديدة لهذا المسلسل لأن أذن المشاهد السوري وعينه وعقله ناقدة، أنا لست ضدهم، لكن صدقاً هذا العمل يُدخل لإحدى المحطات أرباحاً طائلة ولا أريد ذكر أرقام، أنا أستمر به أدبياً رغم أن له أخطاء، لكنه صار جزءاً من المائدة الرمضانية العربية وليس السورية فقط، وفي بلاد المغترب هو محبوب ومتابع كثيراً، كما أن شخوصه أصبحت أفراداً من العائلة العربية في كل مكان، أنا أرى الناس كيف تتعامل معنا لذلك أقول إن إيجابياته أكثر من سلبياته.

* دراستك في المعهد العالي للفنون المسرحية هل كانت حلمك أم أن القدر شاء أن تكوني في هذا الموقع؟

**في سنوات طفولتي كنت أحاول من خلال الألعاب أن أصنع مسرحاً للعرائس فأؤلف المسرحية وأغنيها وأعزف أيضاً وأحرك الألعاب بأفكار من خيالي، وكنت أشارك أيضاً بالنشاطات الفنية في المسرح المدرسي، وبعد أن نلت الشهادة الثانوية سجلت هندسة عمارة وديكور داخلي بفرنسا، لكني شاهدت إعلاناً عن المعهد العالي فبادرت للتسجيل وكان عدد المتقدمين كبير بالآلاف وعندما قُبلت تنازلت عن المنحة الدراسية بفرنسا ودرست (تمثيل)، وبعد تخرجي درست في روسيا (تدريب ممثل) و(إخراج)، وأنا أقول إن الممثل لا يتوقف بالدراسة والثقافة عند حد معين، لذلك طورت نفسي وسجلت في دورة المخرجات الإذاعيات في مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني، كل ذلك جواباً على أني لم أصبح ممثلة عن طريق المصادفة.

* العديد من الممثلين هجروا العمل الإذاعي وصار بينهم وبينه حالة فراق، لكنك ما زلت مستمرة على الرغم أن الدخل المادي عادي جداً، ما السبب؟

** السبب أني مللت موطني الأساسي المسرح، لقد مثلت نحو 16 مسرحية بين تراثية وعالمية، ولم تتحدث ولا مسرحية عن الوقت الحالي أو تلامس المشاكل اليومية للمواطن السوري، أنا لست ضد المسرحيات العالمية لكن يجب أن تكون على هامش البرنامج المسرحي وليست الأساس، يجب أن يكون البرنامج المسرحي أربع مسرحيات معاصرة يومية ومسرحية تراثية ومسرحية عالمية، لقد شعرت بالملل لذلك ذهبت إلى موطني الثاني الإذاعة، إضافة إلى أن هناك بساطة في الإذاعة فلا نضطر لوضع الماكياج أو ارتداء ملابس متنوعة كل يوم، وهي على الصعيد المهني بمثابة معهد للصوت وتدريب على مخارج الحروف وهذا ينطبق أيضاً على الدوبلاج الذي يحرّك الخيال ويعتبر نوعاً من أنواع الرياضة العقلية، إضافة إلى أن أهم النجوم في كل دول العالم يشتغلون بالدوبلاج، لذلك أنا أعمل دوبلاج حتى الآن.

* كيف تقيمين تجربتك الإذاعية الطويلة في برنامج (أنا وعائلتي) الذي توقف بعد وفاة الفنان القدير عصام عبه جي؟

** هذا البرنامج استمر 13 سنة من خلال المجموعة نفسها: الكاتب والممثلين والمخرج وكان سيدخل موسوعة غينس لأنه استمر طوال هذه السنوات ولأنه يلامس مشاكل المواطن وكان له صدى كبير بالحقيقة عند الناس لدرجة أنهم كانوا يرسلون لنا رسائل عن مشاكلهم لنقوم بعرضها وتمثيلها، وكنا نحن نستجيب بعد أن نتأكد من وجود المشكلة. وأنا الآن أتابع مسيرة الأعمال الإذاعية من خلال البرنامج الرائع (لازم نحكي) للمخرج حسن حناوي والكاتب وليد خربطلي، ويشاركني التمثيل الفنان علي كريم، وهو برنامج اجتماعي يومي ساخر حياتي ومعاش ومستمر ولم يتحدد عدد حلقاته. وقد لاقى الاقبال الواسع من الناس، والحمد لله.

* ماذا تعلمت نايا الأندلس جلعوط من والدتها؟

** تعلمت أن تحترم الفن، أن ترتاد المسرح وتشاهدني كيف أتعامل مع الشخصية، أصبح لديها قدرة على التحليل والمحاكمة وعلى استيعاب الناس وتفهم محدودية تفكيرهم، عندما نالت الشهادة الثانوية لم أقف في طريق رغبتها بدخول الفن، لكني قلت لها إذا أردت لا مشكلة عندي لكن دون واسطة، لكنها اختارت دراسة الهندسة المعمارية وأكملت الحلم الذي بدأته قبل دخولي الفن وهي الآن في السنة الرابعة.

* ستّ سنوات حرب ماذا فعلت بوفاء موصللي؟

** بصراحة شديدة وأنا لم أكن أتوقع ذلك، الحرب أنهكتني مثلما أنهكت كل الناس، كنت أعتقد أني أقوى من ذلك، لكن تماسك الدولة السورية هو عزائي الوحيد، كنت أذهب إلى مراكز الإيواء وأزور الجرحى في أول سنوات الحرب، وعندما يود أحد الصحفيين إجراء لقاء معي أنهار بالبكاء، فبدلاً من أن أواسي الناس هناك يحدث العكس، لذلك لم أعد أشارك وأذهب لأني فعلاً أُنهكت.

العدد 1105 - 01/5/2024