«ستاتيكو» عرض مسرحي سوري بسوية العروض العالمية

 ليس ببعد عن أجواء الديستوبيا التي باتت تهيمن على السينما العالمية هاهو مسرح القباني يفتح ستائرهُ عن العرض المسرحي (ستاتيكو) كنافذة على منعكسات التيارات الفكرية والإيديولوجية الغربية عن مجتمعنا كالوجودية والعبث.

تدور أحداث المسرحية حول رجل يُدعى حكم، يرغب بالانتحار ويقيم طقوساً بسيطة لانتحاره ويهم بتسجيل رسالة صوتية على شريط كاسيت يقول فيها ما يريد ويؤكد أنه سيموت لحظة يريد وبالطريقة التي يريد.. ويستشعر حكم أعلى درجات الحرية، لكن ضجيجاً يثيره أحد الجيران وقرع بابه منزله من قبل جار متطفل آخر يفسد عليه طقوسه ويمنعه من إتمام رسالته الأخيرة. وسرعان ما يتعرض حكم مجدداً لمقاطعة من قبل عشيقة جاره (أمل) التي تقتحم منزله لتختبئ من أهل عشيقها الذين عادوا إلى المنزل بغتة، وتبقى في منزل حكم منتظرة أن يحضر لها عشيقها فردة حذائها.. أمل تجسد نموذجاً عن الإنسان الأناني الذي لا يهتم سوى بمصالحه الشخصية، فهي تضحك وتفرح عندما ترى مسدساً في حوزة حكم وتكتشف أنه يرغب بالانتحار وتخبره بأن صديقة  لها تجيد قراءة الطالع أخبرتها أنها ستفتح اليوم باباً لتجد رجلاً ميتاً، وأن حياتها بعد موت هذا الرجل ستغدو سعيدة جداً ومنعمة. تحض أمل حكم على الانتحار وتلح عليه مفسدة عليه طقسهُ البسيط، ويشعر حكم بالتردد لأن انتحاره الذي هو موقف شخصي بحت تجاه العالم، والذي لا يريد لأحد أن يُسخِّرَهُ بأي طريقة كما أوضح برسالته المسجلة، بات مصدر نعمة وسعادة لكائن أناني وبات إرادة مشتركة له ولأمل وليس إرادة خالصة محضة له.

وقد نجح الممثلون بأدائهم المتميز بجعلنا نلمس شرارة دافئة بين أمل بما تجسده وحكم بما يمثله، وللحظات لم تبدُ الفوضى والنظام والفكر والغرائزية مسائل متناقضة..

بدأ العرض بإبراز شخصيات في حالة (ستاتيكو) وهو تعبير يعني الثبات والجمود والهدوء في المكان والأفكار، حيث يصر الجار الصاخب على صخبه، وأمل على أنانيتها، وحكم على اللاجدوى في محاولة تغيير هذا الواقع البشع. وحين تتجلى بوادر تغيرات كفيلة بإخراجنا من الـ(ستاتيكو) ينتهي العرض بموت حكم عن طريق الخطأ عندما يعبث جاره بمسدسهِ.

يمثل العرض معاناة الإنسان في هذا العصر في مجتمعنا والإنسان بصيغته العامة والمطلقة.. ورغم وجود العديد من مفردات الديكور ذات الدلالة كإشارة المرور المعطلة التي تومض كيفما اتفق، والتي ربما ترمز إلى جنون المدينة وتزاحم الإرادات التي ينبثق عنها كل تزاحمٍ آخر، أو ربما هي تشير إلى ما يعتمل في عقل حكم الذي يريد العبور من الحياة إلى الموت.. ورغم ذلك كانت سمة الديكور العامة هي الواقعية (الفجّة) التي لا تليق بخشبة المسرح، لكن تأثيرها كان محدوداً أمام تكامل العناصر الفنية للعرض. وقد ظهر جلياً اهتمام الكاتب شادي دويعر والمخرج جمال شقير بأدق التفاصيل، كتركيزهم على العلاقة بين حكم وآخر جسر يصله بالعالم (آلة التسجيل) فهو لم يكن يتعامل معها كشيء بل كجزء منه.

انتهى العرض ولم تنتهِ الأسئلة التي تركها في أذهاننا.. لماذا يخفي حكم مسدسه جانباً ويفتح الباب عندما يُطرق؟ لماذا يكترث رجلٌ على مشارف الانتحار بمثل تلك الأمور؟

ولعل السؤال الأهم هل تستطيع مديرية المسارح الحفاظ على هذه السوية الرفيعة في العروض المسرحية المقبلة.. أم ستظل العروض الآسرة من هذا النوع حالات نادرة؟

بطاقة العمل:

تمثيل:

كفاح الخوص- (حكم)

نوار يوسف- (أمل)

محمد حمادة- (الجار)

تأليف: شادي دويعر

إخراج: جمال شقير

ديكور: سهى العلي

عازف الدرامز: سيمون المريش

العدد 1105 - 01/5/2024