كلّ ذلك لأنّك مُسيّر..!

تبدأ أوّل تساؤلات الإنسان بمجموعة أسئلة: (ما هو مستقبلي؟. من سأكون؟. سأنجح أم سأفشل؟؟!)

وبما أن الإنسان فضولي بالفطرة، فسيبحث عن طريقة يعرف فيها ما يخبئه له القدر.. بغض النظر عن الإيمان بما كتبه الله لنا!

لقد كان علم الاستقراء والاستنباط من أول العلوم التي بدأت باستشراف المستقبل إما اعتماداً على الفلك، واستناداً إلى علم النفس.

أمّا التنجيم: فهو مجموعة من الأنظمة والتقاليد والاعتقادات حول الأوضاع النسبية للأجرام السماوية والتفاصيل التي يمكن أن توفر معلومات عن الشخصية والشؤون الإنسانية وغيرها من الأمور الدنيوية، ويسمى من يعمل في التنجيم: المنجّم، والعلماء يعتبرون التنجيم من العلوم الزائفة أو الخرافات.

ويعتمد التنجيم على ثلاث طبقات، الأولى علم الفلك، والطبقة الثانية طبقة الاستقراء أو التدوين(علم التنجيم) الذي يعتمد على كتابة الأحداث الكونية، أمّا الطبقة الثالثة فهي طبقة الروحانيين، وهم من يزعمون أن السماء لها أرواح تديرها..!

اليوم بات موضوع التنجيم مصدراً لاكتساب الأرزاق، إذ من خلال هذا العلم تحول علم التنجيم(الفلك) إلى علم للنصب على الناس، مستغلين معرفتهم بما دوّنه القدماء وقياس ما يحدث بصفة عامة على الخاص.

وفي ظل ما مرّ على الناس في السنوات الأخيرة من حروب وضغوط نفسية ومادية وضعت الناس على المحك، حيث الكل كُشف معدنه، ما صدم الكثيرين بعلاقاتهم مع من حولهم، وهذا ما دفعهم للفضول ومعرفة ما سيحصل في المستقبل، فينسى المتدينون إيمانهم بما كتبه الله و بما خطه لمستقبل كلّ من البشر.

فنفاجأ باتصال أحد شيوخ الدين مع مايك فغالي المتكهن بمستقبل العالم عن طريق سماع صوته فقط ويسأله الشيخ عن صحته وعما يخبئه القدر له، فأين الإيمان والتسليم لله ولإرادة الله!؟ وماذا عن تساؤلات الطلاب التي تتزايد عما يخبئه لهم الفلك من أخبار نجاح أو رسوب؟!

ما هذا الفقر الثقافي الذي عاشته وتعيشه الأجيال..؟ أين الوعي والإيمان بأن نتيجة الغد هو فعلنا اليوم، وأن المعادلة تبدأ من عندنا وتنتهي بالنتيجة التي أردناها وصممنا عليها..؟

وليست قطعاً بجلوسنا ماكثين أمام التلفاز واليوتيوب منتظرين أدنى معلومة سيقولها أحد أولئك المنجمين عن العام الجديد ليصبح يوم رأس السنة مشهداً سينمائياً يتفوّه فيه ذاك المتكهن بتلك الأحداث مطلع كل سنة لتقارن أقواله (المأثورة) التي قالها مطلع العام الماضي بما حدث فعلاً خلال العام، وليقول غيرها في هذا العام وهلمّ جرّاً..

ماكلّ هذه السذاجة التي يمتلكها شعبنا ليصدّق أن أولئك أناس يعلمون بالغيب؟!

كيف بإمكانهم أن يجمعوا بين قناعاتهم أن الله وحده يعلم بالغيب لا شريك له، وهم ذاتهم يشركون أولئك المنجمين بألوهيتّه..؟!

كيف تنطلي عليهم أنهم ليسوا إلاّ عبارة عن عملاء مسيّسين لجمع الأموال من جهة ما، ولتسيير المجتمعات أكملها للخشوع لأخبارهم تلك…؟!

كيف يغيب عن عقولهم أننا دمى يُحركها الغرب فكرياً عن طريق بثّهم لتلك التنبؤات التي تُنشر تحت مسمى (أبراج) يتحكمون فيها بيومنا من أوله لآخره لنعيش تحت كل تلك الأوهام…؟؟؟!!!

وكل ذلك لأنك تعبث بقدرك وتُسلّمه لأيديهم.. لأنك فقط مسيّر!

 

العدد 1105 - 01/5/2024