ازدهار المتاجرة بآمال الشباب وأحلامهم في ظل الفساد وتنامي الطبقية

إذا تساءلنا متى ولماذا انتشرت ظواهر كالشعوذة والإيمان بالسحر والعرافة؟

فالإجابة الأولى التي تخطر في البال، هي في العصور التي لم يكن بين أيدي الناس فيها ما يكفي من المعطيات العلمية لتفسير الظواهر التي تطرأ على حياتهم.

وفي ظل انتشار البرامج التلفزيونية والمجلات والصحف التي تخصص مساحة دائمة ل(عرافي هذا العصر ومنجميه) تحت مسميات عديدة منها(قراءة الأبراج أو علم قراءة الأبراج بزعم أنه فرع من فروع علم الفلك)، نلاحظ أن معظم المتصلين ليسوا من فئة الكهول الذين فاتهم مافاتهم من توعية حملها التقدم العلمي في العقود الأخيرة.. بل هم من فئة الشباب.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يقصد الشباب عرافاً أو عرافة كي يعرفوا في أي شهر أو في أي سنة سيحظون بوظيفة أو زواج أو سكن أو أيٍّ من مقومات وعوامل الاستقرار والسعادة؟!! هل بلغ بهم اليأس أن يطلبوا شحنة أمل من دجّال؟!! ومن أوصلهم إلى هذه الحال المزرية؟!! أم أن حل المعادلات الحياتية مستحيل ضمن المعطيات الواقعية حتى احتاج شبابنا إلى عون النجوم والكواكب البعيدة؟

لنجرّب…

لنتحدّث عن مسألة السكن مثلاً، ولنتحدث عنها قبل الأحداث كون الأحداث قد اتخذ منها بعض المسؤولين شماعة يُعلّق عليها فشل المؤسسات التي يديرها في الارتقاء بأدائها إلى تطلعات المواطنين والمواطنين الشباب على وجه الخصوص.

الراتب الشهري هو 30 ألف ليرة في الجهات الرسمية وسطياً للمتعلمين، ولنفترض أن الشباب جميعهم متعلمون، وثمن السكن المتوسط المساحة في مناطق المخالفات السكنية والعشوائيات مليونا ليرة تقريباً إضافة إلى ثمن المفروشات، ولنقل إن الشاب يريد التجهيزات والمفروشات الضرورية فقط، أي نصف مليون ليرة تقريباً.. ولنقل إن الشاب أنهى دراسته في سن الـ 20 وأنهى الخدمة الإلزامية في سن ال22 ثم وجد الفانوس السحري وأعطاه المارد 7 أمنيات وليس ثلاثاً.. فتمنى الشاب أن يحصل على وظيفة وطعام وكساء وأجرة المواصلات وتكاليف الزفاف وشبكة العروس ونفقات الفواتير الخاصة بالكهرباء والماء والهاتف وغيرها.. فتمكّن من ادخار راتبه كلّه.. فبعد كم سنة يستطيع ذلك الشاب ادخار مليونين ونصف المليون كي يشتري سكناً تعدهُ الدولة مخالفاً للقانون وقد تزيله متى تشاء بتعويضات مالية بسيطة؟

إذاً، لا عجب أن يكلّم الشباب العرافين والعرافات ويستعينوا بالسحر كي يسمعوا عن خبرٍ مفرح قادم ويعيشوا الأمل.. بل لا عجب أن يكلّم شباب واحدة من الدول التي تمتلك مقومات كي تكون من أثرى دول العالم.. لا عجب أن يكلموا أنفسهم في الشوارع كالمجانين.

إن المنجمين تُجّار ويتبعون مبدأ السوق(عرض وطلب) وشعبنا يحتاج إلى الأمل، قبل الأزمة وأثناءها وبعدها، ولذلك يظهر من يخترع لهُ آمالاً مُقبلات.

العدد 1105 - 01/5/2024