هل بدأ «ربيع» في القارة العجوز؟!

المسألة لا تتعلق بوصول حزب يساري إلى السلطة في بلد أوربي، بل بفوز أعلن حراكاً، وحقبة قد تكون جديدة في سياسة القارة العجوز بعد جمود استمر زمناً طويلاً، ارتمت معه أوربا في هاوية النيوليبرالية.

وربما تحمل الحقبة الأوربية القادمة سمات أشّرت إليها (ثورة المدنيين) في اليونان.. فقد دللت على أن الشعوب لن ترضخ طويلاً أمام تحكّم الأسواق في السياسة الأوربية، كما أظهرت قدرة اليسار الأوربي على وقف التحول نحو الفاشية التي لاحت أعلامها في الغرب، بعد تداعيات الانهيار الكبير في قلعة الرأسمالية خريف .2008. كذلك وضع انتصار اليسار اليوناني أمام شعوب أوربا إمكانية التخلي عن السياسات التقشفية التي فُرضت على هذه الشعوب باعتبارها الحل الأوحد لعلاج الأزمة الاقتصادية الآتية من وراء الأطلسي.

لقد كان فوز (سيريزا) في مواجهة طغمة كبرى لا تضم أسواقاً مالية فحسب، بل حزمة من المصارف المتلاعبة بهذه الأسواق، ومضاربين بنوا إمبراطورية كبرى على حساب أزمات الشعوب الأوربية الاقتصادية والاجتماعية، وأغرقوا اليونان في مستنقع الديون.

 (سيريزا)، إضافة إلى تصديه لأوربا (السوق)، واجه الطغم المالية المحلية، وأبدى وجهة نظره إزاء حلّ أزمة اليونانيين بكلمات قليلة: إلغاء الديون، ومبدأ (كينز)، أي زيادة إنفاق الدولة من أجل تشجيع النمو والتشغيل والاستهلاك.

هل هو تحول جذري نحو نهج سياسي واقتصادي؟ السؤال هنا سابق لأوانه، فمن المبكر اليوم تحميل هذا الفوز – الذي حققه يسار يسعى إلى إنهاض بلاده- مضامينَ ثورية تطيح بثوابت الاتحاد الأوربي، بل يمكن عدَه بداية (ربيع) على الطراز (العربي)، قد يحمل تحقيق مطالب سياسية واجتماعية كبرى، لكنه يحمل أيضاً مخاطر الإحباط، واستغلاله من قبل قوى كامنة في المجتمعات الأوربية، لأخذه بعيداً نحو الفاشية والتطرف، بهدف إعادة اليونان إلى الحظيرة الأوربية – الأمريكية.

قال كروغمان، الاقتصادي الأمريكي الشهير، معلقاً على فوز سيريزا: (مشكلة سيريزا التي سيواجهها هي تحويل أفكاره إلى سياسات ضمن المنظومة الأوربية، وهي ليست في يساريته، بل في أنه ليس راديكالياً كفاية حتى يطرح نهجاً اقتصادياً أبعد من إلغاء الديون).

الآتي سيحمل شيئاً حول اليونان وأزمتها، وديونها البالغة نحو 300 مليار دولار، أما (ربيعها) فينبغي الانتظار قليلاً لمعرفة تحولاته.

العدد 1105 - 01/5/2024