الأوربيون تحاوروا في ميونيخ.. أمن أوربا مرهون بحل سياسي للأزمتين السورية والأوكرانية

تحاور الزعماء الأوربيون وأصدقاؤهم في اجتماع ميونيخ السنوي للأمن في أوربا، في ظرف بات تهديد الأمن الأوربي أمراً واقعاً، لا بسبب الاعتداءات المتطرفة على الصحيفة الفرنسية وتداعياتها، والتدخل الأمريكي الفظ في أوكرانيا فقط، بل أيضاً بسبب السياسات الأمريكية التي تراوحت في شقها الاقتصادي بين التسبب بانفجار الأزمة الاقتصادية الكبرى في خريف 2008 ومفاعيلها الأوربية المستمرة حتى اليوم، وفي شقها السياسي والعسكري، إحياء خطط الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، الجارة والشريكة لأوربا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويظهر المشهد الأوربي الذي تقوده (الماكينة) الألمانية اليوم شاحباً بعد موازنات تقشفية أثارت الطبقات الاجتماعية المهمشة، واحتاجت أوربا بعدها إلى مدخرات ألمانيا وهدايا التنين الصيني، والخضوع لأمراء النفط والمال في الخليج العربي، لكن براغماتية الزعماء الأوربيين مضت أبعد من ذلك، إذ غامرت بالدخول في مغامرة محفوفة بالمخاطر، بتأييدها لاستراتيجية الأمريكيين في الهيمنة على قلب العالم الذي كان دائماً مصدراً من مصادر السلم والأمن والرفاه الأوربي.

وهكذا، ورغم غضب الشارع الأوربي من الرأسمالية الأمريكية المتوحشة وعولمة الفقر والجوع بعد انهيار ،2008 انحاز الزعماء الأوربيون إلى الزعيم الدوري للقطب الأوحد، وانساقوا وراء سياساته المهددة للأمن والسلام العالميين.

لقد غامروا في العراق وليبيا، وتدخلوا في مصر، وظهر انسياقهم بأبشع صوره بعد أن بصموا على وثيقة التدخل السافر في سورية التي مثلت العمود الفقري في محور مقاوم لعدونية الكيان الصهيوني، ورافض للمخططات الأمريكية الصهيونية الرامية للسيطرة على ثروات المنطقة، وفتحها أمام النوايا التوسعية الإسرائيلية.

لقد عبر الرئيس بوتين بصدق عن جوهر النظام العالمي في يومنا هذا: (إن نظاماً عالمياً يقوده زعيم واحد أمر لن تقبل به موسكو.. إن ذلك الزعيم يعتبر أنه يمكن أن يفعل كل شيء، أما الآخرون فيمكن أن يفعلوا فقط ما يسمح به الزعيم.. ووفق مصالحه البحتة).

الأوربيون اليوم محكومون بالانحياز إلى الأمن والسلام.. فقد بدأت علائم التطرف تتسع في المجتمعات الأوربية انعكاساً لحرب الإرهابيين ضد سورية وشعبها، وتهديد الأزمة الأوكرانية بانقسام أوربي على وقع المصالح الاقتصادية.. فالمساعدة في حل سياسي للأزمة السورية، ومساندة السوريين في تصديهم للإرهاب الذي تشظى عبر المتوسط باتجاه أوربا، والتفاوض مع الجار الروسي على حل الأزمة الأوكرانية بعيداً عن قواعد الصواريخ، وعن التهديد العسكري، والعقوبات الاقتصادية، هما معاً الطريق الآمن الذي يضمن الأمن الأوربي.

إن الابتعاد عن سياسات القطب الأمريكي الذي يريد كل شيء، ويفعل كل شيء وفقاً لمصالحه، هو طريق آمن لأوربا والأوربيين.

العدد 1105 - 01/5/2024