سهيل عرفة بدأ بـ(يا بطل الأحرار).. ورحل على سكون الياسمين

يعتبر الراحل سهيل عرفة من الملحنين الذين خطّوا لأنفسهم طريقاً في أسلوب التلحين، فشكّل شخصية فنية مميزة متألقة بعالم الفن، خاصة عندما تعامل مع عمالقة الغناء والأداء في وقت انتشار المحترفين بالغناء.. لا أستطيع إخفاء إعجابي بالراحل سهيل عرفة لأمرين، الأول تعامله وأخلاقه في توفير المعلومة للباحث والمهتم بالأعمال الموسيقية، والثاني جملته اللحنية وألحانه النافحة عبير الأمل المتجدد في كل لحن من ألحانه منذ أن بدأ مشواره الفني عام 1958 بلحنه للراحل فهد بلان بعنوان (يا بطل الأحرار) حتى آخر أغنية لفنان الشعب رفيق سبيعي.

أتذكر قبل عقدين تقريباً حينما زرت الموسيقار الكبير سهيل عرفة في مكتبه بالمهاجرين، وطلبت معلومات فنية عن علاقته بالراحل الكبير مطرب الرجولة فهد بلان، وكنت آنذاك منهكماً بإعداد كتابي المعنون (فهد بلان الفنان الإنسان) الذي كان بإشراف أستاذي ومعلمي الباحث والناقد الفني الراحل صميم الشريف.. جئته وأنا أستعرض في مخيلتي تلك القامة الفارعة المتميزة بحبها لمساعدة أي باحث عن أي معلومة فنية وخاصة إذا كانت منه شخصياً… أذكر أنه حضّر لي شريط كاسيت بالأغاني المطلوبة والصورة له وللراحل فهد بلان، وتحاورنا مطولاً عن أعماله الفنية ودخلنا في صميم الجملة اللحنية والموسيقية، الأمر الذي استرعى انتباهي أشياء جميلة.. فما كان من الكبير إلا أن تكلم عن ذلك اللقاء في أحد البرامج الإذاعية…

سهيل عرفة الملحن المجيد بدأ مشواره بعد أن جاور مجلة الدنيا التي كان يرأس تحريرها يومذاك عبد الغني العطري- رحمه الله- وهو يعمل مصلّحاً لآلات التسجيل، تعرف على فهد بلان وكان أول انطلاق لهما بلحن بعنوان (يا بطل الأحرار) وذلك ابتهاجاً بالوحدة بين سورية ومصر، وتابع عمله فقدم ألحانه لشادية (يا طيري يا حمامة) و(من قاسيون)، وتوالت ألحانه حتى تجاوزت ألفاً وخمسمئة لحن. وقدم موسيقا تصويرية لأكثر من سبعين مسلسلاً وأكثر من عشرين مسرحية، عدا الأفلام السينمائية.  كان يجيد أن يعكس معنى الكلمة الجميلة باللحن الأجمل، فحينما نستمع إلى أغنيته الخالدة بصوت الراحل الكبير العملاق وديع الصافي (آه يا دنيا) أو أغنيته الوطنية (من يوم ولدنا لبلدنا) لمطرب الرجولة فهد بلان، وسكتشات فنان الشعب رفيق سبيعي، وهو الذي تعطر بعطر الشام عندما غنى له الفنان الكبير صباح فخري (يا مال الشام).. فإننا نشعر تماماً أن سهيل عرفة هو ملحن هادئ تدخل الاستكانة إلى روحه وإلى روح من يتلقى أعماله الفنية..

وإذا ما دخلنا في تفاصيل استخدام سهيل عرفة للموسيقا العربية نجد أنه منغمس في تكريس روح الشرق وعبير الشرق، إذ قلما تجده يغرف من غير منهله، ومنبعه، فاستكانته تعبر عن اقتناصه لحظة الجمال والحس الوجداني في التعبير عن اللحن المعبر العاكس للكلمة، خاصة أن تعاونه مع شعراء الكلمة المميزين امثال: عيسى أيوب، وعمر الحلبي، وحسين حمزة، ورفعت العاقل، وغيرهم كثير، جعل منه الملحن الواعي لما يعمل..

سهيل عرفة..المكرم لفنه وبفنه .. نال ما استحقه من شكر وتقدير في مهرجانات الأغنية العربية والمحافل الإبداعية، خاصة أن الرئيس الدكتور بشار الاسد كان قد كرّمه قبل رحيله ..

سهيل عرفة النغمة الجميلة في الزمن الجميل رحل وهو يردد أن أقرب صديق لديه هو خطوات الجيش العربي السوري وانتصاره على الإرهاب..

عشتَ طيباً ورحلتَ مبدعاَ

 وداعاً سهيل عرفة إلى جنات الخلد…

العدد 1105 - 01/5/2024