الصناعة السورية في ظل الأزمة: الواقع والمطلوب

مدخل إلى أزمة الصناعة

تواجه الصناعة السورية اليوم أزمة مركّبة نتيجة تراكم العوامل الثلاثة التالية:

1- نقاط الضعف والسمات العامة المعروفة عن واقع هذه الصناعة.

2- النتائج السلبية لتحرير التبادل التجاري ومحدودية نتائج الخطة الخمسية العاشرة.

3- آثار الأزمة الراهنة ومنعكساتها.

وقد وضعت هذه الأزمة المركبة الصناعة السورية في وضع صعب للغاية بات يهدد وجودها ومستقبلها ما يتطلب اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة آثار هذه الأزمة ونتائجها بمجملها وبشكل شامل ومتكامل، والاستفادة منها، بصفتها فرصة متاحة لإعادة هيكلة الصناعة السورية وتوطينها وتحديثها وتمكينها من القيام بدورها قاطرة رئيسية للتقدم والنمو والتشغيل، وبشكل خاص في مرحلة إعادة البناء، وهذا يتطلب – قبل أي شيء آخر – فهم الأسباب التي أدت الى وصول الصناعة إلى هذه الأوضاع الصعبة والوقوف على نتائجها بموضوعية وشفافية، ليصار إلى اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة هذه الأوضاع، معالجة فورية، وعلى المديين القصير والمتوسط بشكل يراعى فيه تحديد الأولويات الملحة، بما يساهم في اختصار الوقت والجهد والكلفة لتنفيذها. وفي هذا الإطار تتناول هذه الدراسة ثلاثة محاور رئيسية:

1- واقع الصناعة السورية قبل الأزمة.

2- أثر الأزمة على الصناعة السورية.

3- الإجراءات والتدابير اللازمة لإعادة تأهيل الصناعة السورية وتنشيطها.

أولاً- واقع الصناعة السورية في مرحلة ما قبل الأزمة.

1- السمات العامة للصناعة السورية:

تتمتع الصناعة السورية بمزايا ونقاط قوة عديدة، في مقدمتها الموقع الجغرافي والعراقة الصناعية وتوفر حلقات الانتاج كافة في العديد من الصناعات، كالصناعات النسيجية والغذائية إضافة إلى وفرة اليد العاملة ورخصها، إلا أنها تعاني أيضاً عدة نقاط ضعف ناجمة عن ظروف نشأتها وتطورها خلال المرحلة السابقة للأزمة، من أهمها:

1- ضعف البنية الهيكلية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات).

2- اعتماد نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من ناحية، وحصرمطلق لعدد من المنتجات الصناعية الوطنية بالقطاع العام، دون تحديد فترة زمنية لهذه الحماية أو ربطها بصناعات مستقبلية محددة، ودون وضع شروط محفزة أمام الشركات الوطنية لتحسين قدرتها التنافسية.

3- وجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية، إذ تنحصر معظم الصادرات السورية بالمواد الأولية ونصف المصنعة. وينحصر معظم المستوردات بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة، ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من تحويل المواد الأولية ونصف المصنعة إلى منتجات نصف مصنعة ومنتجات نهائية في الاستيراد والتصدير.

4- ضعف التشابك والتكامل ضمن مختلف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية من ناحية، وبينه وبين القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى.

5- الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية، مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً، والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. إضافة إلى ضعف إمكانات الهيئات الداعمة القائمة حالياً.

6- ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة منشآتهم الصناعية وتشغيلها، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة،

7- توزع الشأن الصناعي من الترخيص حتى التنفيذ والتشغيل بين عدة وزارات وجهات عامة (اقتصاد، مالية، إدارة محلية، نقل، كهرباء، نفط…..) تفتقرفي معظم الأحيان إلى التنسيق والفعالية في الأداء، ما يزيد من فترة وعناء ممارسة العمل الصناعي، ويشجع على انتشار المنشآت الصناعية الحرفية والصغيرة غير النظامية وتوسعها.

8- غلبة الأسلوب الإداري التقليدي لدى القسم الأعظم من منشآت القطاع الخاص، إذ تندرج نسبة 99% منها تحت تصنيف الصناعات الحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة.

9- ضعف مناخ الاستثمار بشكل عام وبيئة الاستثمار الصناعي بشكل خاص، ما يحد من حجم المشاريع الصناعية العربية والأجنبية المنفذة في سورية عددها، فقد تركز معظم الاستثمارات في القطاعات الخدمية (السياحة والمال والتأمين والعقارات والتجارة) في حين لم تتجاوز الاستثمارات الصناعية، حسب تقرير لهيئة تخطيط الدولة، نسبة 13% من مجمل الاستثمارات الخاصة والأجنبية.

10- ضعف البحث والتطوير والابتكار في المجال الصناعي، ومحدودية الإنفاق وبشكل خاص في المجال الصناعي، إضافة إلى توزعه بين العديد من الجهات التي ما تزال تفتقد إلى اعتماد الأولويات التي تلبي احتياجات الصناعة السورية الملحة وربط نتائجها بالمجالات التطبيقية.

11- عدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى، إذ تتركز الصناعة السورية بشكل أساسي في القطاعين العام والخاص مع وجود متواضع جداً للقطاع المشترك والقطاع التعاوني، وهما القطاعان اللذان يملكان مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة،ويمكن أن يلعبا،في حال تشجيعهما، دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

12- البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى برنامج توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته.

13- إغفال أهمية الجانب البيئي في القطاع الصناعي، سواء في تأثيره على الموارد الطبيعية المحدودة وعلى البيئة والسلامة العامة، أو في تحقيق المتطلبات البيئية للتصدير الخارجي.

14- التأخر في اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية وتمكينها من مواجهة المتطلبات والنتائج الناجمة عن التغيرات الإقليمية والدولية التي برزت بشكل أساسي في تسعينيات القرن الماضي وتمثلت بإقامة التكتلات الاقتصادية وتحرير التبادل التجاري وإطلاق منظمة التجارة العالمية.

العدد 1107 - 22/5/2024