من يصلح الشمس يا حسن؟

من يصلح الشمس التي انكسرت في دمشق!؟

ذلك الحق المبتور، العرض المنتهك، وأرضنا المسلوبة، من سنلوم عليه؟

كانت عيونه بنية، محفورة بالشتات، كأواني فخار معتقة، صامدة ككل الجبال، وكل السجون.

كهل أنت.. يا صغيري، مخيف شقاؤك الذي تجاوز حدود حذاؤك الضيق.

اسمك (حسن)..

يا حسن الخمسة عشر عاماً، أنت تمتلك قدميك وشوارع دمشق الثكلى، والحرب تمتلك كل الوقت والموت، لم تترك لك هذه اللعينة سوى القمامة، حيث تقف كل يوم فاغراً فمك بين الحاويات، تلملم من الأدران ما تقتات به، العتمة خانقة في قعر المكبات يا حسن، تسرق من شفاهك الأمنيات، فمك الآن محشو بالعلقم والأسفلت، والجوع ينخر الروح، ويكبر، كلما كبرت..

أعلم، عيونك تصرخ بأن الشتاء مقيت، حتى واجهات المحلات التي كنت تعشق التلصّص على أصحابها، أصبحت لا تطاق، إنك في هذه اللحظة لا تحتمل صبر الوقوف أمام الزجاج الموشى بالبخار، لتشاهد تلفازاً لا يبالي به أصحابه، تشعر بالصقيع يقصّ أصابعك، ويحرق جلدك المتسخ، الصقيع قاسٍ يا حسن، قاسٍ جداً..

ترى ماذا يجول في رأسك؟!

ها أنت تسير بخطا واثقة نحو المسجد والمؤذن ينادي للصلاة، تدخل خلسة خوفاً من أن يصرخوا بك ويرموك خارج المصلى، أنت تعلم أن الصلاة دون وضوء باطلة، ولكن كيف سيفهمون أن الماء في هذا الشتاء كالسكاكين المحالحة.

سمعتهم يقولون إن الله سميع للمصلين ومنذئذ وأنت تصلي.

تريد محادثة الله، بشدة، أليس كذلك؟

حتى وإن لم تكن طاهراً بما يكفي، كنت تريده أن يسمعك.. ماذا ستطلب من الله يا حسن؟!

لا أستطع أن اتكهن؟!

من فقد ذاته في الظلم والانعدام، ماذا سيطلب من الله؟

هذه الشفاه المجبولة بالأسفلت ماذا ستقول؟

أهدابك المنتظرة المكابرة ماذا ستطلب؟

الله وحده يعلم.. الله وحده يشاء، والله هو المهيمن.

تمهّل لحظة، لماذا تركض يا حسن؟! إلى أين؟! ها أنت تسرق المَحافِظ والهواتف مجدداً! لماذا يا حسن!؟

ربما لأنهم سرقوا منك دفء العمر، وأحرقوه في الحاويات..

أنت معذَّب يا حسن، معذب إلى الأبد..

بالله عليكم! من سيصلح الشمس التي انكسرت في دمشق؟!

ومن سنلوم؟!

كل الاتهامات مهشّمة ومهمّشة في آن!

اللوم علينا واللوم إلينا نحن:

مثنى مثنى

قاتلاً وضحية!

العدد 1105 - 01/5/2024