الاتفاق النووي الإيراني يزيد الأزمة السورية حدة

رغم تتالي المؤتمرات السياسية: جنيف، موسكو، كازاخستان، والقاهرة، بقي الانقسام الوطني هو الطاغي، وبقيت معه أسبابه ووقائعه العنفية الثابتة هي نفسها تقريباً، والدافعة نحو إطالة الأزمة واحتمالات انزلاقها نحو الأسوأ. في ذلك الإطار، بدا التدخل الخارجي، وماهية الإرهاب، عناوين للانقسام والصراع الوطني الداخلي. التي ماانفكت تزداد حدة مع ازدياد التقارب الأمريكي الايراني حول توقيع الاتفاق النووي، رافقه رفض مبطن أو علني من الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، تركيا والمملكة السعودية وإسرائيل. وهذا الرفض تُرجم بشكل أو بآخر تأثيراً على تطور الحدث السوري

بشكل فاعل جداً نحو مزيد من الانقسام الوطني، بالتالي شدة في الأزمة الوطنية.

لقد فرض توقيع الاتفاق النووي الإيراني إيقاعه على الأزمة السورية، ليس فقط في التمترس بأوراق القوة في ساحة الصراع السورية، بل في ترتيب الأولويات ودفع استثناءات القوة عند كل طرف نحو المقدمة، مشكلاً استقطاباً ثنائياً حاداً وتكريساً شبه نهائي لقبول أطراف الصراع التدخل الخارجي. إذ كما هو مُعلن يعتبر النظام السوري أن مهمته المركزية هي مواجهة الإرهاب، بينما تعتبر المعارضة الخارجية، أو على الأقل قسم كبير منها، أن قوى الفاشية الإسلامية عامل براغماتي حاسم ضد إسقاط النظام. يبتعد عن هذا الاستقطاب الثنائي الحاد مجموعة من قوى المعارضة السياسية المحلية المؤيدة للتغيير السلمي والمناهضة بقوة للفاشية الدينية الصاعدة في سورية، منها مثلاً عدد من الأحزاب اليسارية وبعض التيارات المحلية المعارضة و(حزب الاتحاد الديمقراطي) الحزب الأقوى حالياً في سورية بعد حزب البعث الحاكم، لعدة أسباب أهمها امتلاكه جناحاً عسكرياً مسلحاً ومنظماً بشكل كبير، وامتلاكه سلطة القرار في مناطق (التسيير الذاتي) الكردية في سورية.

هكذا، في الوقت الذي أبدت فيه السلطة السورية عناداً في استمرارها في نهجها ووسائلها، ولا تزال حتى الآن تعمل بكل طاقتها على إدارة الأزمة السورية متفردةً، بدا أن التطورات السياسية الأخيرة بدءاً من جنيف ثم موسكو وحتى اللقاء التشاوري الأخير في العاصمة الكازاخية الأستانة، أنها تشير إلى أن النظام الرسمي بغطاء وترحيب من وروسيا، قد أطلق عدداً من الخطوات التشريعية القانونية والسياسية للحوار، (بغض النظر عن الأسباب والدوافع، التي أجبرته أم لم تجبره؟!)، لكن الطرف الآخر، المجموعات الأصولية المسلحة وبعض القوى السياسية المرتبطة بتركيا غير معنية أبداً بالحوار، لا مع النظام الرسمي فحسب، بل مع الجميع دون استثناء كما حصل مع إعلان (الائتلاف الوطني السوري) في وقت سابق من شهر أيار الماضي عن عدم مشاركته في مشاورات جنيف. فقط وفقط العنف واستراتيجية كسر العظم والانتصار هي السائدة.

لماذا تطور العنف في سورية؟ لماذا كل تلك السمات والمظاهر السلبية التي تبدت في الحراك الشعبي والواقع السوري المجتمعي والسياسي، النظام الرسمي والمعارضة المنظمة والقاعدة الشعبية، وبقية الأطراف التي تحركت بأشكال خاصة أو لم تتحرك؟. لماذا يبدو الأمر وكأنه يتكرر نتيجة العديد من المظاهر والسمات الأساسية في طبيعة بنية النظام السوري؟. ولماذا تبدو الأمور وكأنها ستتطور نحو الأسوأ؟.

يكمن الجواب من حيث الجوهر في البنية الذاتية السورية، وفي الشروط التاريخية والموضوعية السورية المعاصرة المتأثرة بالاستقطاب الإقليمي، التي يبدو أن موضوع الاتفاق النووي وهو يسير نحو إنجازه بين الغرب وإيران، والمحاولات المُستميتة من إسرائيل والسعودية بشكل علني وتركيا بشكل مبطن لمنعه، قد ألقت بظلالها العنفية والتدميرية على سورية، بشكل أصبح من المستحيل الوصول إلى حل لها، دون الرجوع إلى هذه الأطراف الإقليمية والتوافق فيما بينها، والذي سيكون للأسف على حساب السيادة الوطنية السورية ورخاء الشعب السوري. في حين أن الاتفاق النووي ضَمِنَ لإيران الاعتراف بأنها دولة نووية لكن دون قنبلة، وضَمِنَ لها دوراً إقليمياً كبيراً سينعكس بشكل إيجابي على تماسك إيران الداخلي، وضَمِنَ لها رفع العقوبات الاقتصادية التي ستحقق لها قفزة اقتصادية كبيرة.

العدد 1105 - 01/5/2024