قراءة أولية في مبادرة دي ميستورا

أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا مؤخراً عما أسماه مبادرة جديدة حول الأوضاع في سورية، تضمنت نقاطاً أربع، أو بالأحرى تشكيل مجموعات عمل أربع لحل الأزمة السورية. وقد اختلفت ردود الأفعال حولها، بين رفض وقبول وتعليقات على نقاط منها، لأن القضية السورية مازالت لدى الغربيين مسألة (ثورة ومطالب) على حد تصورهم وتسويقهم لها منذ أن بدأت. وهذا يعني بديهياً أن مشروع الحل مازال غير ناضج، وبطبيعة الحال يأتي عدم النضوج هذا في أساس فهم القضية وجوهرها.

ولكي يستطيع أي طرف سياسي دولي تقديم حل لحرب إرهابية كونية فُرضت على بلد مسالم، عليه أن يضع النقاط على الحروف، وأن يسمي الأشياء بأسمائها، وهذا ما لم يحصل حتى في مبادرة دي مستورا الأخيرة، وبالتالي فهي لن ترتقي إلى مستوى الحل العادل للقضية، لأن المبادرة تجاهلت في جوهرها ونقاطها مسألة مهمة، وهي أن سورية تتعرض منذ ما يقارب خمس سنوات لعدوان خارجي تشارك فيه مجموعة سمت نفسه (أصدقاء الشعب السوري) كانت تشكل أكثر من مئة دولة، وتقلصت اليوم إلى نحو عشر دول بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن يقال إنها قد (ماتت) أو هي في حالة موت سريري.

والآن نتطرق بإيجاز إلى النقاط الأربع التي تحدثت عنها المبادرة أو الخطة:

* أولاً- لو أن هذه الوثيقة تضمنت إقرار مجلس الأمن الذي وافق عليها بأن سورية تحارب مجموعات إرهابية مسلحة عابرة للدول بل للقارات، وطلبت وقف التمويل والدعم عن هذه المجموعات من قبل قوى دولية وإقليمية وعربية في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر والأردن، لكان بالإمكان أن تجد هذه المبادرة طريقها إلى النور، ذلك أن اعتبار هذه الدول المعادية لسورية شركاء اليوم في الحل دون إلزامها بقطع علاقاتها بالمجموعات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الفتح وما لفّ لفهم من المجموعات التي تتلقى الدعم والتعليمات مباشرة من السعودية وتركيا وقطر، وفي الوقت نفسه عدم إلغاء غرفة العمليات (موك) في الأردن التي تدير المعارك في جنوب سورية، كل هذا لا يساعد على إنجاح المبادرة، لأن هذا يعني إبقاء المجموعات الإرهابية تحت الطلب، وفتح خطوط إمداد جديدة لها تحت باب المساعدات الإنسانية والطبية وغيرها، وبالتالي هذا ما يساعد هذه المجموعات على استعادة قواها بعد أن ضعفت في عدة مناطق سورية تحت ضربات الجيش السوري لها.

* ثانياً – تحدثت المبادرة عن هيئة حكم انتقالية تتضمن الحكومة السورية الحالية والمعارضة الخارجية، وهذا ما يذكّر فعلاً بمنصب (المندوب السامي) الذي استخدمته فرنسا وبعض الدول الغربية الاستعمارية في مطلع القرن العشرين، وهذا أيضاً ما تتوخاه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والإقليميون، إذ سيكون ممثلو المعارضة الخارجية كل بحسب ولائه وتمويله، وبهذا يضمن اللاعبون الإقليميون- الذين دفعوا مبالغ طائلة لتدمير سورية- وجود ممثلين لهم في الحكم الجديد. وخير مثال على ذلك (ائتلاف الدوحة) الذي يمثل أطرافاً دولية وإقليمية معروفة ولا يمثل الشعب السوري، فسورية تحتاج إلى حكومة خاضعة لإدارة واحدة معروفة تدير العمليات ضد الحرب الإرهابية المفروضة عليها.

والسؤال: هل يصدق أحد أن أعضاء ائتلاف الدوحة مثلاً سيوافقون على محاربة ذراعهم العسكرية وذراع الدول الإقليمية والعربية التي شكلت هذا الائتلاف ودعمت المجموعات الإرهابية المسلحة؟ هذا إلى جانب الخلافات بين المجموعات المسلحة نفسها، هذه الخلافات التي أفشلت الهدنة في أكثر من مكان، بناء على أوامر أسيادها كما حصل في هدنة الزبداني مؤخراً، فقد انهارت بسبب الخلاف بين الفصائل المسلحة وبتوجيه من أردوغان السفاح.

* ثالثاً- إن سورية قيادة وشعباً تؤيد الحل السياسي، ولا أحد منهم يرفضه، إلا المعارضة الخارجية المرتبطة بالبترودولار، لأنه أصبح من الصعب عليهم التخلي عن الأموال التي أخذوها ومازالوا يأخذونها من قطر والسعودية، وأصبح من صالحهم أن تستمر الأوضاع على حالها في سورية حتى لا تنقطع عنهم (الهبات) التي يأخذونها على حساب الدم السوري، إلى جانب أن مشغليهم في قطر والسعودية وتركيا قد يستهدفون حياتهم وتصفيتهم جسدياً إذا ما خالفوا الأوامر.

* رابعاً- لم تأخذ الوثيقة أو المبادرة بالحسبان الواقع الإنساني في سورية ومعاناة مواطنيها من جرائم المجموعات الإرهابية، فهي لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى إخراج المقاتلين الأجانب من سورية، وخصوصاً منهم الذين قدموا عن طريق تركيا، حيث تمتلك حكومة أردوغان بياناتهم لأنهم عبروا إلى سورية عن طريقها وبمساعدة مخابراتها.

* خامساً- تجاهلت المبادرة قضية تهريب اللاجئين عبر الأراضي التركية إلى شواطئ اليونان، وهذا التهريب يعد جريمة أخرى يتحمل المجتمع الدولي وكل الدول التي انطلقت منها قوارب الموت المسؤولية الجنائية والأخلاقية عنها، ولا يصدق أحد أن تركيا لا تعلم بوجود هذه القوارب ولا بوجود مافيات تركية وغربية تتقاضى أموالاً باهظة لقاء عمليات التهريب هذه.

* سادساً- الوثيقة أو المبادرة كما تسمى، لم تشر إلى مسألة وقف تصدير الأسلحة إلى المجموعات المسلحة في سورية، ولم تحمّل الدول التي ساهمت في تدمير سورية أية مسؤوليات مادية على الأقل لإعادة الإعمار، وهي بذلك تريد ترك سورية لمصيرها في إعادة بناء ما دمّره الإرهاب، أو وضع شروط عليها لإعادة الإعمار من جديد، على الرغم من أن السوريين أعلنوا أكثر من مرة  أنهم قادرون على إعادة إعمار بلادهم وإعادة الحياة الاقتصادية إلى ما كانت عليه شرط أن يكف العالم عن محاربتهم.

* سابعاً- ركزت الوثيقة على ما يسمى ب(المعارضة الخارجية) الموجودة في فنادق إسطنبول والذين يسرقون أموال دعم اللاجئين لتوظيفها في استثماراتهم الخاصة، علماً بأن الدول الأوربية تعرف تماماً حجم حساباتهم في البنوك الأوربية.

باختصار لم تُنصف الوثيقة بنقاطها الشعب السوري والقيادة السورية، ذلك أن عنوان أي حل سياسي أو المدخل إليه تحديداً هو محاربة الإرهاب وفك الحصار الاقتصادي عن الشعب السوري حتى يتمكن من البدء بإعادة الإعمار.

الجدير بالذكر أن سورية صرحت بأنها ستدرس بنود هذه المبادرة وتعلن موقفها منها.

العدد 1105 - 01/5/2024