على أبواب المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد.. وحدة جهود اليسار

لم تحمل البرجوازية في بلادنا برنامجاً تقدمياً يتجاوز العلاقات الإقطاعية، بل شكلت حالة تفاهم وتعاضد معها، وبعض شرائحها ارتبطت بحالة تبعية مع الرأسمالية الدولية، وأغفلت برامجها الربط بين الجوانب السياسية والأبعاد الاجتماعية للتنمية. لذلك غدت مسألة النهضة والتقدم من مهام اليساريين والاشتراكيين.

وألقى هذا على عاتق اليسار ضرورة القيام بدور رائد في النضال الوطني في مواجهة الإمبريالية والصهيونية وقوى التخلف والنكوص مع النضال من أجل تغيير الواقع، والانحياز للفئات الفقيرة من المجتمع، والعمل لحصولها على حقوقها المسلوبة وتنمية وعيها. وكذلك النضال لبناء الدولة العصرية المدنية العلمانية القائمة على مبادئ المواطنة والتعددية والديمقراطية والحداثة، وتحقيق التنمية المرتكزة على العدالة الاجتماعية والخيار الاشتراكي.

إن قوى اليسار في بلادنا التي تضم طيفاً واسعاً من الأحزاب والمنظمات ورجال الفكر والثقافة والأدب والفن والشخصيات الاجتماعية يتطلب منها العمل الجاد لبناء ذاتها، وتوسيع نطاقها وحضورها، والمساهمة في رفع وعي الطبقة العاملة مع مجمل الكادحين وكفاحيتهم، وإنهاض نضالات جماهيرية لبعث الثقة بإمكانية الانتصار.

إن مواصلة النقاش والحوار بين مكونات اليسار على اختلاف اتجاهاته هو الطريق الصحيح لإنهاضه وليشغل موقعه الطبيعي، ولبلورة مشروعه حتى يتابع السير على طريق التقدم والحرية  والسعادة لشعبنا، وتقديم خطاب واضح يصل إلى لناس مبني على مشاريع برامج تنطلق من واقع المجتمع ومدى تطوره الفكري والطبقي، يربط بين قضايا التحرر الوطني ومتطلبات المرحلة التنموية والاجتماعية القابلة للتحقيق لكي لا يقع في العزلة عن جمهوره الذي يعمل لصالحه، خطاب يبلور هوية اليسار الديمقراطي سياسياً واجتماعياً بعيداً عن مفاهيم الإقصاء والتخوين. وينبغي أيضاً الاشتغال على سبل تطوير المجتمع، وتمكين العقل البنائي لدولة مدنية عصرية، واستنهاض القوى المؤهلة للدخول إلى ساحة النضال الوطني والطبقي من العمال والفلاحين والمثقفين والمنتجين، ورفع مستوى وعيها بمصالحها وهويتها الطبقية. هذا الوعي الذي يتعمق تباعاً بالنضال الجماهيري الواسع والمتواصل من أجل البديل الديمقراطي ببعده الاجتماعي، ولتطوير دور الدولة الرعائي في التعليم والصحة والتشغيل والسكن وتقديم الدعم للإنتاج والمواد الغذائية الأساسية والتوزيع العادل للثروة الوطنية.

فاليساري هو المدافع الدائم عن حرية الوطن وتعزيز استقلاله وتطوره، والمناضل ضد كل أشكال الظلم والاضطهاد والاستبداد الطبقي والسياسي والفكري. وعليه أن يتحلى بالقيم الأخلاقية الرفيعة، والجرأة في طرح برامج التغيير الاجتماعي نحو الأفضل والأرقى عدلاً ومساواة وحرية.

ومن سمات اليسار أن يكون مع تحرر المرأة ومساواتها بالرجل في جميع الميادين. وأن يعمل على نشر الثقافة الوطنية، وتنشيط الحركة السياسية الجماهيرية، وجعل العلاقات السياسية والمدنية بديلاً للعلاقات العشائرية والمذهبية. فالوطنية والعلمانية والديمقراطية والنضال من أجل حقوق الطبقات الفقيرة والمنتجة وتحقيق العدالة الاجتماعية تشكل الأركان الأساسية في منهج اليسار.

لقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا الشرقية وازدياد مساعي الهيمنة الإمبريالية على شعوب العالم ودولها إلى صدمة واضطراب في أوساط اليسار وجماهيره، وتراجع دوره، مما أفسح المجال للنظام الرأسمالي المتوحش توسيع استغلاله، فاقتنصت الفرصة الأصوليات الدينية المتطرفة المتحالفة معه للاستحواذ على مشاعر المحبطين من فشل مشاريع التغيير التقدمية، ودعت للنكوص عنها والرجوع إلى أفكار وممارسات عصور سلفت. فانبرت السلطات للردع والقمع، فوقع المجتمع، واليسار جزء منه، ضحية مطرقة الاستبداد ووحشية الرأسمال المستغل وإرهاب السلفية والتخلف والرجعية والأفكار الظلامية وتآمر الإمبريالية التي رأت أن أخونة المنطقة وإغراقها بقوى التطرف تشكل إعاقة لقوى التحرر القومية والاشتراكية اليسارية، فساندت قوى التطرف وانتشر الإرهاب والدمار وسفك الدماء.

إن ظروف الأزمة في البلاد تقتضي توحيد جهود قوى اليسار لتساهم في تهيئة الأجواء لانطلاق حل سياسي عبر الحوار الوطني، يفتح الفرصة لإنقاذ الوطن وصيانة وحدته وسيادته أرضاً ومكونات بشرية، وهزيمة الإرهاب والتطرف ولإجراء إصلاحات ديمقراطية تكفل حق المواطنة والمساواة لجميع الأفراد والأحزاب والقوى الاجتماعية أمام القانون. والسير على طريق التغيير السلمي الديمقراطي نحو دولة ديمقراطية مدنية تقدمية، وإعادة إعمار ما تهدم، وتقديم العون والتعويض لمن تضرر أو تهدم مسكنه أو سبل عيشه. واستئناف عملية التنمية ذات الطابع التقدمي لصالح الكادحين في بلادنا.

هذه المهام تتطلب من كل الأحزاب العلمانية الوطنية والقومية والديمقراطية والاشتراكية تقديم نقاط التلاقي بينها على نقاط الخلاف، وأن تعطي أولوية لقواسمها المشتركة. وأن تقيم تحالفات سياسية وطبقية وديمقراطية لحشد أوسع القوى الشعبية من العمال والفلاحين والمثقفين حول حقوقها وحماية مكتسباتها، ولدفع حركة التقدم الاجتماعي إلى الأمام، وتحقيق مستوى أعلى وأرقى في حياتها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتلبية متطلبات تطورها الروحي والنفسي وتحريرها من الاستغلال والتفاوت الطبقي، لأن أي تغيير أو تبديل لن يتمكن من تحقيق الاستقرار إلا إذا نجح في الجمع بين أهداف ثلاثة: تطوير الديمقراطية في المجتمع والسياسة، واتخاذ خطوات اجتماعية تقدمية، وتأكيد السيادة الوطنية.

إن التحالفات الوطنية ذات الأفق الاجتماعي والاقتصادي التقدمي التي يتوفر لها الطابع الديمقراطي تساعد على قيام الدولة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، ومجابهة الإرهاب وتيارات الفكر الظلامي والتطرف والتآمر الإمبريالي، وتجند أوسع القطاعات الجماهيرية لحماية التحولات الاجتماعية باتجاه العدالة والأفق الاشتراكي. وبالطبع فإن تزايد دور قوى اليسار والشيوعيين خصوصاً في هذا التحالف يشكل ضمانة قوية لتحقيق التحولات وحمايتها.

إن مسؤولية اليساريين والشيوعيين منهم تكمن في خروجهم من تشتت جهودهم وضعف وحدتهم في النضال الديمقراطي العام. وهي مسؤولية سياسية وأخلاقية لتعزيز حضورهم في المجتمع. إن توحيد جهود اليسار الوطني يعزز نضالات اليسار العربي لاستعادة دوره وتبوؤ مكانة قيادية في المرحلة القادمة، ويتضافر ذلك أيضاً مع نضال الحركات التقدمية في العالم، المناهضة للإمبريالية المتوحشة ولصيانة السلم الدولي.

العدد 1105 - 01/5/2024