المطلوب معالجة السبب لا النتيجة!

يبدو أن بلدان الاتحاد الأوربي وقعت في شرك أزمة عميقة ساهمت هي في إيجادها وتأجيجها ولاتعرف كيف تخرج منها.

الحديث يدور حول أزمة اللاجئين الهاربين من ويلات الحرب والإرهاب التي تضرب أوطانهم إلى جانب عوامل أخرى.

يعود السبب إلى أن هذه البلدان لم تدرك تماماً النتائج. إذ إن أزمة اللاجئين الحالية هي الكارثة الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية. يقول تاريخ السويد إن نحو مليون سويدي هاجر إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من مئة عام بسبب الفقر وبحثاً عن مستقبل أفضل.

لقد فتحت أزمة تدفق اللاجئين إلى أوربا أسئلة كبيرة تبدو حكومات تلك البلدان عاجزة عن حلها. اقتصادات بلدان الاتحاد ليست على مايرام: ارتفاع نسب البطالة وما ينجم عنها من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية، الانتقاص من المكاسب التي تحققت للناس بعد الحرب العالمية الثانية، الخصخصة وانفلات الرأسمال الربوي المتوحش. هذا كله إلى جانب انخراط بلدان الاتحاد الأوربي، بضغط من الولايات المتحدة ومجمعات الصناعة الحربية والنفط،في حروب ونزاعات في مختلف بلدان العالم.

مجمل هذه العوامل ترافقت في الفترة الأخيرة مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئيين إلى أوربا مجازفين بحياتهم في البر والبحر ووقوعهم في براثن مافيات التهريب مع تواطؤ جهات رسمية في عدد من البلدان، الأمر الذي أدى إلى موت آلاف الأبرياء. هذا التدفق أدى أيضاً إلى ردات فعل متباينة من مسالة استقبال اللاجئين، ويمكن أن نلحظ ذلك في اتجاهين:

* الاتجاه الأول يتمثل في تنامي النزعات العنصرية ومعاداة الأجانب تحت شعارات مختلفة، مع ملاحظة أن هذه النزعات لاتعود فقط لأسباب الهجرة وسلوك بعض اللاجئين، إنما لأسباب اقتصادية، اجتماعية وسياسية. الهجرة جزء بسيط ولكن يجري تضخيمه لإخفاء الأسباب الطبقية والعنصرية الحقيقية.

* الاتجاه الثاني يؤيد ويرحب باستقبال اللاجئين.

يطالب أصحاب الاتجاه الأول بإغلاق الحدود أمام اللاجئين، مستخدماً شعارات خادعة تدغدغ عواطف السكان المتضررين من السياسات الاقتصادية وتعاظم الهوة الطبقية في المجتمع. مثل الادعاء (يشكل اللاجئون خطراً ديموغرافياً مستقبلياً على المجتمع، غالبية اللاجئين تعيش على المساعدات الاجتماعية، علماً أن هناك العديد من الأجانب يحملون مؤهلات علمية وهم أصحاب شركات ومشاريع وترى من بينهم أطباء، معلمين، مهندسين وأصحاب مهن حرة يساهمون مثلهم مثل أي مواطن أصلي في دفع الضرائب وبناء البلد الذي يعيشون فيه).

يستخدم أصحاب هذا الاتجاه الأعمال الإرهابية المتطرفة لداعش والنصرة وأمثالهما من ذبح وقتل واغتصاب في سورية والعراق وغيرها، لتأكيد وجهة نظرهم وتخويف الناس.

يستغلون سلوك بعض اللاجئين في الإساءة لقوانين البلد المضيف، وأولئك الذين لم يتخلصوا من أمراض التعصب الديني (الطائفي) والقومي وينقلونه معهم إلى مجتمعاتهم الجديدة.

يتعاظم التجاذب في بلدان الاتحاد الأوربي بين هذين الاتجاهين.. يبدو حتى الآن أن الحلول المعلنة تتخذ طابع الحل المؤقت ولاتعالج المسألة من جذورها.

برأينا إن فتح الحدود واستقبال اللاجئين من قبل دول الاتحاد الأوربي هو جزء من الحل وليس الحل الجوهري.

المطلوب من هذه البلدان وغيرها العمل من أجل حلول جذرية تتمثل على سبيل المثال لا الحصر في:

*فتح أبواب سفارات الاتحاد الأوربي إذا كانت تريد فعلاً مساعدة اللاجئين أمام طالبي اللجوء، كي يأتوا مباشرة دون الوقوع في أيدي مافيات التهريب ومخاطر طرق اللجوء براً أو بحراً.

* دعم الاتجاهات الديمقراطية، المدنية والعلمانية في البلدان والمناطق التي تشهد نزاعات.

* وقف جميع أشكال الدعم (المباشر وغير المباشر) العسكري، المالي، الإعلامي، التقني واللوجستي للمنظمات السلفية الإرهابية من داعش ونصرة، وإخوان وأمثالهم.

* عدم شراء النفط المسروق والآثار من تلك المنظمات.

* الضغط والعمل من أجل حل النزاعات عبر الحوار والحل السياسي.

هذا هو برأينا المدخل الأساسي لوقف تدفق اللاجئين.

من جهة أخرى ألاحظ من خلال عملي توهّم بعض اللاجئين أن بلدان الاتحاد الأوربي هي بلدان مسيحية، متناسين أنها بلدان علمانية ومدنية فصلت الدين عن الدولة والمدرسة، وهذا أحد الأسباب الأساسية لتطورها.

يتصرف البعض على هذا الأساس مع معتنقي الديانات الأخرى (المسلمين في غالبية الحالات)، الأمر الذي يؤدي إلى نزاعات غير مبررة بينهما. في الجانب الآخر هناك بعض اللاجئين المسلمين يحاولون استغلال الهامش الديمقراطي في بلدان اللجوء من أجل متابعة (جهادهم)..

المتضرر الأكبر من مثل هذا السلوك المتعصب دينياً، أو طائفياً أو قومياً لدى الطرفين هم الأجانب أنفسهم جميعاً. أما المستفيد الأول فهم التيارات العنصرية المعادية أساساً للأجانب وفكرة استقبال اللاجئين، التي تستخدم هذا السلوك لتأكيد مزاعمها وإخافة المجتمع من القادمين الجدد.

تجدر الإشارة إلى أن هناك ساسة أوربيون يلعبون (يؤججون) على المشاعر الدينية أو الطائفية أو العرقية لدى بعض الأجانب لغايات انتخابية أو أيديولوجية، متناسين أن ذلك يؤدي حتماً إلى نزاعات تقوض الاستقرار الاجتماعي والسياسي لبلدانهم.

لايجوز الوقوع أبداً في فخ بعض الدعوات العفوية أو المقصودة من شاكلة يجب استقبال لاجئين مسلمين فقط أو مسيحيين فقط (أو فقط عرب، أكراد سريان صوماليين..). المفروض استقبال اللاجئين المحتاجين للحماية من الحرب أو الإرهاب بغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي أو لون البشرة. هذه مجرد أفكار لأسئلة كثيرة مفتوحة تحتاج لمتابعة وتفصيل.

العدد 1105 - 01/5/2024