كي لا ننسى: الرفيق صالح السكني (أبو علي) (1930-2007)

الرفيق صالح السكني من الرفاق الذين خدموا الحزب خلال حياتهم وقدموا له الكثير بصمت. ولد الرفيق صالح السكني المعروف باسم (أبو علي) عام 1930 في عائلة فقيرة كادحة، في حي باب النيرب، وهو من الأحياء الشعبية الشهيرة في مدينة حلب، عمل منذ نعومة أظفاره في مجال الأحذية (قندرجي) وأصبح من الشهيرين في مجال مهنته وساهم في تأسيس نقابة عمال الأحذية.

بدأ حياته الطويلة في الحزب عندما كان عمره 17 عاماً عن طريق الرفيق يحيى خوجه، سافر إلى لبنان للعمل لفترة، بعد أن بدأ يلاحقه المكتب الثاني في أوائل الخمسينيات، عاد بعدذلك إلى مدينته حلب حيث مارس عمله الحزبي بنشاط، فاعتقل في أوائل عهد الوحدة، وبعد إطلاق سراحه غادر مرة أخرى إلى لبنان بتعليمات من الحزب وعاد إلى سورية مع بداية عهد الانفصال، فاعتقل بعد فترة وجيزة مع الرفيق الشاعر سعيد رجو أثناء توزيعهم منشورات في أحياء حلب وأرسلوا إلى سجن القلعة في دمشق حيث أحيلوا للقضاء الذي أطلق سراحهم، واستمر نشاطه في منظمة حلب حتى عام 1969 عندما اتخذ الحزب قراراً بالتحاق أعضاء الحزب بحركة المقاومة الفلسطينية الصاعدة آنذاك، فكان الرفيق صالح السكني من أوائل الرفاق الذين لبّوا نداء الحزب وودعته منظمته مع رفاق آخرين من بينهم الرفيق عدنان مهملات، والتحق الجميع بدورة تثقيفية مدة أسبوع في دمشق قبل أن ينطلقوا إلى الأردن للالتحاق بصفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حيث خضعوا لدورة عسكرية تمهيدية في مدينة جرش، وهناك أقام مع الآخرين في كهف تحت الأرض وتقاسم مع رفاقه كل خمسة بطانية واحدة، وقد عين الرفيق صالح السكني مسؤولاً حزبياً لجميع الشيوعيين في المخيم تحت اسم حركي  (أبو زهرة)، وساهم بعد ذلك مع رفاقه بجميع الأعمال العسكرية التي كلفوا بها من ضمنها عمليات استطلاع داخل أراضي فلسطين المحتلة، ثم عاد إلى مدينة إربد مع بداية معارك أيلول الأسود عام 1970 وعاد الرفاق بعد ذلك إلى الوطن، كان من أواخر الرفاق الذين غادروا الأردن، ويتحدث الرفيق عدنان مهملات عن ذكرياته معه: (لم أره متذمراً في يوم من الأيام، لقد كان هادئاً وصبوراً مؤمناً بالمستقبل ملتزماً بأفكار الحزب وخطه وسياسته ومدافعاً عنيداً عنها).

عند عودته في أواخر عام 1970 إلى سورية بدأت مرحلة جديدة في مسيرة صالح السكني في الحزب، فقد اختير متفرغاً في مكتب الحزب في دمشق وكانت مرحلة صعبة، فقد كان الحزب على أبواب انقسام جماعة رياض الترك والتطورات المعروفة في الحزب التي حدثت بعدذلك، ومع ذلك بقي الرفيق صالح السكني يسعى دوماً إلى توحيد الكلمة والألفة بين الرفاق، فكان موضع ثقة قيادة الحزب، وبناء على سيرته أصبح الرفيق صالح السكني مسؤولاً عن البيوت السرية للحزب متنقلاً بينها، وعاش أيضاً في البيت الذي ضم مطبعة الحزب السرية. وكان يعمل بصمت وسرية مطلقة ليؤمن للحزب طباعة صحيفته وغيرها من الوثائق وكانت صلته المباشرة والمشرف على نشاطه الرفيق يوسف الفيصل شخصياً. تزوج في مرحلة متأخرة بسبب ظرف نشاطه في الحزب عام 1973 من سناء صابرين عن طريق الرفيقة فطوم محبك (أم صالح بيطار)، وأنجب منها صبيين وبنت قاسوا معه صعوبة الحياة في البيوت السرية التي تنقل بينها باستمرار. وتروي عائلته تفاصيل تلك المرحلة التي عاشتها والانضباط العالي الذي فرضه الرفيق صالح على نمط حياتهم ، وقد تعرض لمحاولة اغتيال ونجا منها عام 1981 حين اكتشفت نشاطه إحدى خلايا الإخوان المسلمين في حي المجتهد في دمشق. في منتصف الثمانينيات اعتقل عند مدينة الرستن أثناء إحدى مهامه لإيصال مطبوعات ووثائق حزبية إلى منظمة حلب، وقد استغرب الرفاق في دمشق وصول هذه المطبوعات للرفاق في حلب رغم اعتقاله، والسر عرف فيما بعد إذ إنه لشدة حذره كان قد وضع هذه المطبوعات تحت ثياب زوجته الرفيقة سناء صابرين (أم رامز) وأجلسها في مقعد بعيد عن مكانه في الباص، وكانت نتيجة هذا الاعتقال الذي كان الأخير إصابة بالغة في عينه، فأرسله الحزب للعلاج في بلغاريا.

بقي الرفيق صالح يمارس العمل الحزبي لدى قيادة الحزب متفرغاً له حتى عودته مع عائلته نهائياً إلى مدينته حلب عام 1989 وانضم مباشرة إلى إحدى هيئات الحزب ولم ينقطع عن واجبه تجاه الحزب حتى مرضه الشديد قبل أن يرحل عام 2007 تاركاً زوجة وشباباً يكملون مشواره في الحزب يحملون صفاته نفسها بالتواضع والصبر والتفاني.

رحلت يا رفيقنا العزيز صالح السكني ولكنك مازلت في قلوبنا حياً وستبقى مثالاً لجميع الشيوعيين مجسداً في عائلتك ورفاقك ومن عرفوك.

ستبقى شعلة للأبد..

العدد 1105 - 01/5/2024