كيف تعيش بلا «غالاكسي»؟!

إنه زمن (الغالاكسي)..

تجده أينما ولّيتَ وجهك.. في السرفيس الممتلئ حتى ممره الضيق بالركاب، ترى صبيّةً استطاعت الحصول على كرسي، وقد وضعت وجهها في شاشة موبايلها الغالاكسي العريض، وبدأت بال (تفقيس) على أزراره.. أو شابّاً صغيراً وجد له متسعاً ليقرفص في الممر الضيق، فلم يضيّع وقتَه عبثاً، وإنما أخرج (غالاكسيه) وبدأ في العزف أيضاً.

المَشاهد نفسها تراها في باصات النقل الداخلي الممتلئة بشراً وروائح وأحلاماً.. الواقفون المتعربشون بالأعمدة والعوارض قبل المتنعمين بنعمة الجلوس يخوضون حواراتهم عبر (الواتس أب) أو (الفايبر)، وهم يتأرجحون مع حركة الباص وفرامله، أو يتصفحون الفيسبوك والتويتر.. وعلى ذكر الفيس والتويتر فقد بزغت أغنية (ضربت) منذ أكثر من عام تترجم بأمانة ووضوح الهوس الشبابي بل الشعبي أيضاً، بتقنيات الإنترنت والاتصال، وهي تقول في البداية: ناطر منك خبر.. عالفيس وعالتويتر..

وتمضي الأغنية إلى آخرها وهي تستعرض كل تقنيات التواصل من (لايك وكومنت وشير) التي تغلقها الحبيبة الجاحدة في وجه العاشق الملهوف.

***

يحصل أحياناً في السرفيس أن تسهو الصبية عن دفع الأجرة بسبب استغراقها في النهل من معارف الموبايل، فيرشق السائق كل الركاب بمحاضرة قيمة عن الأخلاق، ولا يترك شتيمة صغيرة أو كبيرة إلا ويطرب بها أسماع الركاب على من (طنّشَ) ولم يدفع، وحين يعجز عن اكتشاف غريمه يشحط فرامل السيارة ويطفىء المحرك قائلاً إنه لن يكمل الطريق مادامت الغلّة ناقصة.. ما يحصل أيضاً أن الصبية تخرج من غيبوبة الغالاكسي بسبب صوت الفرامل وتوقف الميكروباص، ولغط الركاب والسائق، فتزيح خصلات الشعر عن وجهها، وترفع رأسها عن رفيقها الموبايل لتسأل عن سبب هذه الأزمة المستفحلة، وحين تعرف السبب تبتسم وتقول له بلهجة (أنكلوسورية):

(سوري أنكل شوفير.. أنا ما انتبهت ونسيت إدفع الأجرة..)!

فيكشر السائق عن ابتسامة غاضبة ويقبل اعتذار الآنسة، ثم يستقبل الأجرة منها شاكراً راضياً ويكمل سيره.

 ويحصل أن يسهو الشاب عن النزول في الموقف الذي يخص سكنه، وهو يتجاذب أطراف الحديث على الساحر نفسه، مع الشلة أو مع حبيبة القلب، فينبهه السائق أنه صار في (آخر موقف)، ويسأله إذا كان يريد الرجوع معه، فيومئ الفتى برأسه موافقاً ويمد يده إلى جيبه ليدفع أجرة العودة إلى بيته، ثم يقفل التشات بعد أن يعتذر من محاوره، حتى لا تتكرر القصة معه..

إنه الغالاكسي يا مواطن!

***

وسائل النقل التي ذكرتُها يستخدمها العامة، الدهماء، سواد الشعب، أي من هم في الأساس من الطبقات الدنيا، فكيف وقد (دفشت) الحرب إلى الأدنى حتى من كان (يتمرجح) في الوسط.. وصار من ركاب السرافيس والباصات و ذاق طعم التعتير المزمن، لكنه هو والمقيم في القاع بقيا مصرّين على حمل الغالاكسي.. وبهذا يمكن أن نعتبره عابراً للطبقات والطوائف والإثنيات، وموحِّداً أبناء الشعب السوري.

 تحت رايته اللامعة البراقة يجتمع الجميع، المؤيدون والمعارضون، الأغنياء والفقراء، أنصار التغيير السلمي والمسلحون، الشبيحة والمؤيدون..كلنا غالاكسي..

حين يتزاعل حبيبان، حين يتناقر زوجان ويصل الأمر إلى استخدام السلاح الأبيض أحياناً، ثم الحرد، حين يتفوق طالب في دراسته، أو يتخرج، يكون الغالاكسي هو الحل، ولا حاجة إلى جنيف1 أو 2 أو .150.

على كل مواطن أن يدخر ثمن جهاز غالاكسي للأيام الصعبة، وهذه كلها أيام صعبة على السوريين، لكن، على رأي شاعر داغستان وحكيمها رسول حمزاتوف فإن السلاح الذي تحتاج إليه مرة في العمر يجب أن تحمله كل العمر.. لابد أن تحتاج إلى هذا الجهاز السحري يوماً لحل معضلة أو خلاف أو اضطراب عاطفي أو عائلي..

***

درجت بعض قنوات الفتنة والتحريض  قبل أن تصنف كذلك  على بث إعلان لسيارات كابرس الأمريكية فيه استفزاز حقيقي لنا، نحن معشر المشاة الذين نحلم بسيارة موديل السلحفاة بعد عمر طويل، ينتهي الإعلان بعد عرض مفاتن السيارة وميزاتها الفنية والتعبوية بعبارة: كيف تعيش بلا كابرس؟.

أيها السوري أينما كنت، مهاجراً أو نازحاً أو مقيماً وسط الخراب..كيف تعيش بلا غالاكسي؟!

* شرح لا بد منه لمن فاته قطار العصر مثلي: الغالاكسي طراز من موبايل تنتجه شركة سامسونغ وهو شامل وكافٍ ووافٍ، أي باختصار شديد ينفع لكل الحالات.

العدد 1105 - 01/5/2024