سورية تطبق «ما يناسبها» من نصائح النقد الدولي..!

الدعم.. خطوات تتناسى المواطن الصامد

شكل الدعم الحكومي العقبة الرئيسية أمام السياسات النيوليبرالية التي انتهجها الفريق الاقتصادي في العقد الماضي، وقد برز دور صندوق النقد الدولي في التوجهات الجديدة للسياسة الاقتصادية السورية، فجاءت حلولهم بنتائج كارثية انعكست على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للشعب السوري، إذ ركز (خبراء الصندوق) على جملة قضايا أساسية تنعكس انعكاساً سلبياً ومباشراً على الشرائح الاجتماعية المتوسطة والمنخفضة الدخل، ومنها إصلاح نظام دعم أسعار النفط، وزيادة رسوم الخدمات العامة، وزيادة الضرائب غير المباشرة، واستحداث ضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى خفض كبير في بند النفقات التحويلية ذات الطابع الاجتماعي كأسعار السلع التموينية الضرورية، والتخلص من الدعم الاقتصادي الذي تتحمله موازنة الدولة، والناجم عن وجود وحدات إنتاجية في القطاع العام خاسرة، ويكون ذلك بتصفية هذه الوحدات أو بيعها للقطاع الخاص، إضافة إلى ضغط الإنفاق على التعليم والصحة، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذه المجالات، ليكون كل ذلك ركيزة أساسية للمساعدة في تحقيق التصحيح المطلوب في الأوضاع المالية، كل ذلك أدى إلى ارتفاع البطالة إلى 16%، وحلقت أسعار المواد الأساسية بنسبة قاربت 80%، وتقلصت نفقات الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، وتراجعت القيمة الحقيقية لأجور العاملين إلى النصف.

ولكن خبراء الصندوق ووفق تقارير مشاورات المادة الرابعة العديدة مع سورية كان يشددون على أنّ الغياب شبه الكامل لشبكات إيصال الدعم والإعانات الاجتماعية إلى مستحقيها سيكون عقبة في طريق معظم الإصلاحات إذا لم يعالج جذرياً وفي أسرع الأوقات، وأكد الخبراء أنَّ إدخال أي إصلاحات قد تؤثر سلباً على الفقراء ما لم تستطع تقديم الدعم المباشر لهم، كما شددوا على ضرورة العمل على الآثار السلبية التي تنعكس على (الإصلاحات الاقتصادية) على أضعف شرائح المجتمع.

ولكن لم ينفذ راسمو السياسات الاقتصادية إلا الجانب المتعلق برفع الدعم دون أية خطوات لإيصاله إلى مستحقيه الحقيقيين، فزادت معدلات الفقر كثيراً، الأمر الذي لم تهتم الحكومة بمعالجته ولا اقتربت من سياسات إعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء.

فمهندسو الاقتصاد السوري في العقد الماضي لم يسعوا إلى تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة تنهض بالاقتصاد السوري، وتلبي متطلبات مختلف الفئات الاجتماعية، بل تركوا لاقتصاد السوق زمام التحكم، ما أدى إلى معاناة الجماهير الشعبية، لأزمات معيشية واجتماعية متلاحقة لعبت دوراً كبيراً في الحراك الشعبي الذي تشهده سورية منذ آذار 2011.

إنَّ السياسات الاقتصادية المتوحشة التي اتبعت في العقد الماضي مازالت متبعة اليوم بطرق مختلفة، وما لم يجرؤ على تنفيذه الفريق الاقتصادي السابق نفذه الفريق الحالي منذ بدء الأزمة، فقد اتخذوا منها ذريعة لخطواتهم مع انخفاض الإيرادات المالية للخزينة، جاء ذلك بالتزامن من تأكيدات وزراء الاقتصاد، على مدى شهور الأزمة، أهمية دعم الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، إلا أنَّ الأسواق اليوم مباحة لأثرياء الحروب والحيتان التي ساهمت في إفقار الجماهير، وهو ما يفاقم من سخط المواطن الصامد وإرهاقه بقرارات اقتصادية غير مدروسة النتائج الاجتماعية، فتضاعفت معدلات الفقر والبطالة وارتفعت نسب التضخم مسجلة أرقام قياسية، إذ إنَّ الحكومة قضت تقريباً على مختلف أشكال الدعم الحكومي للسلع والمواد الأساسية، مع رفع مستمر لأسعار حوامل الطاقة، وبهذا تكون الدولة قد تراجعت عن دورها الاجتماعي، وأجهضت ما تبقى من أمل للمواطن السوري في عيش حياة عادية.

وعلى الرغم من أنَّ موازنة 2015 قدرت إجمالي نفقات الدعم الاجتماعي بمبلغ 983.5 مليار ليرة سورية بزيادة 368.5 ملياراً عن الاعتمادات المخصصة للدعم الاجتماعي في موازنة 2014 وبنسبة زيادة قدرها 59.9%، إلا أنَّ المعطيات على أرض الواقع تبين أنَّ الأرقام المذكورة هي لتهويل حجم الدعم المقدم ليس غير.

ومؤخراً صرح وزير الاقتصاد عن خطة لدعم الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود مؤكداً أنَّ (عقلنة الدعم لا تعني اللاعقلانية في رفع الأسعار وتحريرها)، وهنا نتوجه للوزير بالسؤال: هل سنشهد تطبيق ذلك أم سيكون حال الخطة كحال الكثير من التصريحات والخطط لوزراء آخرين لما يتبعها إلا التصفيق؟!.

 

مراجع:

– تقرير خبراء صندوق النقد الدولي حول مشاورات المادة الرابعة للأعوام: 2006 ،2007 ،2008 2009.

– تقرير صندوق النقد الدولي بعنوان (قضايا مختارة)- إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تموز 2006.

– دراسة لبرنامج الأمم المتحدة بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء عام 2004.

العدد 1105 - 01/5/2024