اتجاه خاطئ للأقلام الخضراء.. الحكومة تدفع بالصناعيين إلى درب الخطيئة

لم تقدم الحكومة مايناسب لتتمكن من التفريق بين مازوت التدفئة والنقل من جهة، ومازوت الصناعة من جهة ثانية. واكتفت بإصدار قرار، مشفوعاً برغبة مزعومة تتعلق بدعم الصناعة، مازوت الصناعيين بـ 150 ليرة لليتر، أما المازوت الآخر فهو بـ 80 ليرة لليتر، وطن الفيول بـ 105 آلاف ليرة. إذاً، هو الطريق المتعرج الذي ترسمه الحكومة أمام الصناعة الوطنية، وعبء جديد تضعه في عنق الصناعيين، الذين بلا شك سيضعونه أيضاً على كلفة المنتج النهائية، وسيسدده المستهلك في نهاية المطاف. لا تملك الحكومة حالياً القدرة على تطبيق هذا القرار، بل إنها فتحت باباً جديداً لسلوك الصناعيين درب الخطيئة، وتشجيعهم على ارتكاب المخالفات، وحفزهم على تجاوز القانون، وبالتالي وضعهم تحت طائلة المحاسبة الدائمة. هذا القرار الظالم للصناعة، سيكون سيفاً مسلطاً على الصناعيين، تهمة جاهزة يمكن أن توجه لأي منهم لحظة يشاء أحد ما. فالقرار الصحيح هو الذي يغلق نوافذ المخالفات، ويؤسس لعلاقة تشاركية، ويعزز حالة الثقة بين جانبين اثنين. إلا أن الحكومة التي سعّرت المازوت للصناعيين بسعر أعلى من السعر العالمي، رمت عن كاهلها عبئاً ثقيلاً، لكنها فتحت أوجاع الصناعة، وأثارت من جديد تساؤلاً ليس بغريب عن الشارع السوري مفاده: لمصلحة من هذا القرار؟

ربما يكون الراغبون باستيراد المازوت من القطاع الصناعي، هم المستفيدون بالدرجة الأولى، فسعر 150 ليرة لليتر المازوت، ليس منطقياً، ولا عادلاً، ولن تنفع التبريرات الحكومية، بأن وزارة النفط ستصدر نشرة أسبوعية لتحديد سعر المحروقات، في التخفيف من درجة الخطأ الذي يغلف القرار. فمادة واحدة، بسعرين اثنين، الفارق بينهما كبير، بنسبة لا تقل عن 90%، لا يمكن الأخذ بالسعر الأعلى في أوضاع الفوضى التي نعيشها، والحرب الدائرة.

تسعى الحكومة لتخفيف الضغوط عن موازنتها، هذا هو الهدف المعلن وغير المعلن من القرار المذكور، وتبحث عن سبل جديدة، تحقق وفراً في مواردها، وتؤمن أموالاً جديدة يمكن استثمارها في مطارح أخرى هي بحاجة إليها. وكما من حق الحكومة المشروع، السير بهذا الاتجاه، فإن من الحق المشروع أيضاً عدم رمي العبء على كاهل القطاع المُنتج الذي يعاني الأمرّين، وتقف أمامه تحديات جمة. قطاع ينهض من جديد يحتاج إلى دعم، لا لزيادة الأعباء، يبحث عن رعاية لا عن مزيد من الإهمال. إلا أن مشروعية البحث عن موارد تصطدم بتناقضات الاتجاه الخاطىء للأقلام الخضراء، وصنّاع القرار، وترتطم ارتطاماً قاسياً بالفئات والقطاعات التي لم تعد تحتمل مزيداً من الأعباء. حتماً، يجب على الحكومة أن تخفف  الأعباء عن نفسها،  لكن بعيداً عن القطاعات المُنتجة، والفئات الهشة والفقراء والضعفاء اقتصادياً، ولتتغول أكثر في الطبقات الغنية، والفعاليات الاقتصادية القادرة على الاحتمال، وتترك الآخرين الذين أعيتهم الظروف والحرب التي لم تتوقف رحاها منذ ثلاث سنوات ونيف.

لا أحد يدعم صناعتنا، إذ تُركت قاطرة التنمية تواجه المخاطر وحيدة، لم يشفع لها دورها الحيوي في الاقتصاد، ولم تسعفها مشاركتها الأساسية في التنمية، ولم يغفر لها أنها الجناح المهم إلى جانب الزراعة في حل عدد لا يستهان به من المشكلات الاقتصادية. تعرضت صناعتنا للقصف التمهيدي، من الحكومات السابقة، والآن ثمة قرارات ربما تكون قاتلة للعمل الصناعي، وتزيد من طينها بلة، وتقودها رغماً عن أنفها إلى حتفها. الصناعة اليوم محرقة حقيقية، مطرح اقتصادي خاسر بجدارة. والصناعيون أكباش فداء، وتخفيفاً أدوات للتجريب المستمر، هم أقرب ما يكونون إلى الفراشات التي يجتذبها ضوء الليل، فتقع في الفخ. والعامل في المنشأة، بلا حقوق، بلا مستقبل، بلا ما يطمئنه، يعمل وينتج، ثم لا توجّه له كلمة شكر، ولا يقدّم له أجر يفيه حقه، هو الحلقة الأضعف في كل ما يجري. نالت الصناعة حقها الكبير من التجاهل، وحظيت بالكثير من الظلم، وآن وقت رفع الحيف عنها.

العدد 1104 - 24/4/2024