حول المزاعم الأمريكية والغربية عن التمدد العسكري الروسي

 تتهم الأوساط الأمريكية والغربية روسيا بأنها تتمدد عسكرياً في العالم.. بطبيعة الحال مثل هذا الاتهام كاذب وتدحضه الحقائق على أرض الواقع، والغاية من مثل هذا الاتهام النيل من روسيا التي بدأت تستعيد نفوذها ومواقفها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ثم إن روسيا كما يعرف الجميع لم تكن دولة استعمارية عبر تاريخها، بل على العكس من ذلك، كانت دائماً تقف إلى جانب الشعوب التي تناضل من أجل استقلالها، وكان الاتحاد السوفييتي السابق يدفع مساعدات لهذه الشعوب على حساب لقمة عيش مواطنيه، والآن تعمل روسيا بقيادة الرئيس بوتين على مقاومة كل محاولات الهيمنة على الدول والشعوب التي تمارسها الولايات المتحدة والعواصم الغربية المتحالفة معها، وتسعى لإقامة نظام عالمي متوازن تنتفي منه ظواهر الهيمنة على القرار العالمي، واتخاذه من قبل طرف واحد، ويطبق فيه القانون الدولي على الجميع دون أية ازدواجية أو تحيز أو محاباة.

والآن نعود إلى موضوع التمدد العسكري في العالم، إذ سنرى أن هذا الأمر سياسة دائمة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وليس للاتحاد السوفييتي السابق أو لروسيا اليوم.

التمدد الحقيقي

تنتشر القوات العسكرية الأمريكية المدججة بكل أنواع الأسلحة في طول العالم وعرضه، وذلك في أوربا (ألمانيا وإسبانيا)، وفي الهند الصينية (كوريا واليابان وتايلاند ودييغوغارسيا)، وفي كل الدول التي تنضوي تحت راية حلف الناتو، وفي آسيا (أفغانستان وباكستان وأذربيجان)، وفي العديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لاسيما التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي. أما في الوطن العربي فتنتشر القوات الأمريكية في السعودية والمغرب وباقي دول الخليج العربي. ففي قطر توجد أكبر قاعدة جوية أمريكية، وفي البحرين يتمركز الأسطول الخامس البحري الأمريكي، وفي الكويت والإمارات توجد قواعد عسكرية أمريكية بموجب معاهدات رسمية.

الشيء الآخر أن الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في العالم التي تمارس العدوان على الدول والشعوب، قديماً وحديثاً، تحت ذرائع ومبررات كاذبة.. قديماً في كوريا وفيتنام وكمبوديا ولاغوس، وحديثاً في الصومال والسودان وصربيا والعراق وليبيا وسورية. إضافة إلى ذلك فهي لا تتورع عن فتح جبهات عديدة معتمدة على حلفاء ووكلاء وأدوات يأتمرون بأمرها، ولا يملكون الحق في مناقشة المبررات والذرائع، فهي الآن تشن حرباً إرهابية شرسة على سورية، معتمدة على مجموعات إرهابية مسلحة مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها، بالتنسيق مع تركيا، والسعودية ومحمية قطر اللتين تمولان هذه المجموعات مالياً وتسلحها وتدعمها إعلامياً.

وزير الخارجية الأمريكية جون كيري عبّر مؤخراً عن قلق حكومته من ازدياد ما أسماه (النشاط العسكري الروسي في سورية)، وهو يعلم حق العلم أن هذا النشاط موجود منذ عقود طويلة، ينخفض أحياناً ويرتفع أحياناً أخرى تبعاً للمعطيات والظروف والمواقف الدولية وحجم الأخطار التي تستهدف الدولة السورية وشعبها، مع الأخذ بالحسبان المصالح المتبادلة بين الحكومتين السورية والروسية. ويعلم أيضاً هو وغيره من مسؤولي الغرب أن تسليح الجيش السوري مصدره روسيا بالدرجة الأولى، علماً بأن هذا النشاط الذي تحدث عنه كيري يقتصر على وجود خبراء روس يدربون المقاتلين السوريين على السلاح الروسي، وبالتالي هذا ليس وجود عسكري، وإنما مساعدة تتبادلها جميع الدول في مجال الاستفادة من خبرات بعضها بعضاً في مجالات التدريب والتقنية.

من جهة أخرى إذا سلّمنا بأنه (وجود) كما يدعي مسؤولو الغرب، فهو لا يرتقي إلى مرحلة تساوي أدنى وجود أمريكي في أصغر دولة هامشية مثل قطر أو الكويت أو الإمارات!

إذاً الانتشار العسكري الأمريكي في العالم يُمثل عدواناً صارخاً على حريات الشعوب وحقها في رسم سياساتها الخارجية واختيار حكامها، بعيداً عن إملاءات القوة العسكرية الأمريكية وعمليات اغتيال وتصفية كل من يعارض هذه الإملاءات من قبل أجهزة الاستخبارات بأنواعها وعديد عملائها متعددي الجنسيات، وبالتالي فالإدارات الأمريكية المتعاقبة تفرض نفسها شرطياً عالمياً دون الحصول على شارة رسمية، بل هي تفرض نفسها بقوة السلاح، في حين تنتقد هذه الإدارات غيرها إذا مدّ أحد يد العون لدولة معتدى عليها أو لشعب مظلوم!

محاضرات في الأخلاق

والسؤال: لماذا تُحاضر الولايات المتحدة في الأخلاق وهي تفتقدها؟ ولماذا تحاضر في القانون الدولي وهي لم تترك قانوناً إلا وانتهكته؟ لماذا تنتقد أنشطة الغير العسكرية بينما تُبيح لنفسها العدوان على من تشاء، وإغداق صفقات السلاح على من تشاء؟!

إن روسيا ليست في وارد الدخول المباشرة أو غير المباشر في معارك تدور في أكثر من مكان في العالم، علماً بأن أغلب هذه المعارك والبؤر المتفجرة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها الحرب الإرهابية على سورية منذ نحو ما يقارب الخمس سنوات، بل هي تسعى إلى بلورة خطة شاملة لتصفية القوى الإرهابية التي تتمركز في سورية، وسبق لها أن طرحت على لسان الرئيس بوتين ضرورة إقامة حلف دولي إقليمي لمحاربة الإرهاب ينطلق من التسليم بالدخول من أبواب شرعية وقانونية أساسها التنسيق مع الدولة السورية في هذا المجال، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها خاصة تركيا والسعودية وقطر رفضوا هذا الطرح البنّاء، علماً بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تحت اسم (محاربة الإرهاب وداعش تحديداً) اتضح أنه غير فعال وغير صادق ولا نزيه في محاربة داغش، فرغم مضي نحو عام على إقامة هذا التحالف، تزداد داعش قوة وتوسعاً، حتى أن خبراء أمريكيين شككوا في الضربات الجوية التي يوجهها الطيران الأمريكي لداعش، معتبرين أنها لم تنل من هذا التنظيم الإرهابي.

باختصار.. إن روسيا باتت – حسب التقييم الأمريكي- تتصدر بجدارة المشهد الدولي بامتياز، وبات حراكها يتعدى جغرافيا حلفائها، وعلى سبيل المثال المغرب طلب شراء 60 مدرعة ب م ب،3 والجزائر طلبت شراء طائرات سوخوي روسية، وهي ماضية في صياغة مسارات بنّاءة وجدية فيما يتعلق بالأزمة السورية، إلى جانب تأكيدها أنها لن تسمح بإسقاط الدولة السورية، وأنها ضد أي حلول لا تراعي دور الشعب السوري والحكومة السورية ومكافحة الإرهاب بشكل جدي، وأنها أيضاً لن تسمح بحال من الأحوال بتكرار السيناريو الليبي في سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024