عجائب السخرية في الأندية المنسّية!

بصرف النظر عمّا تفرزه منعطفات حياتنا الحرجة، وأوقاتها العصيبة، ونوائبها المستطيرة، من محاولات الوجدان الشعبي، بشقّيه الفردي-الجمعي، إيجاد ما يمكن تسميته (بالمعادل) الاجتماعي لتلك المنعطفات-إلا أن الحاجة لإطلاق أندية ذات مسميات تتدرج من الغربة إلى الغرابة، ومن النقد الخافت إلى السخرية الصريحة، قد أصبحت ظاهرة بعينها، ولها أسباب مختلفة عن محاكاة واقع، أو أزمة، والتي لا تنتهي بتزجية الفراغ، أو الغمز من قنوات ما، أو استثارة حفيظة رجال الصحافة، الذين ظلت تلك الأندية بعجائب مسمياتها، في مرمى تندّرهم، وربما التواطؤ الخفيّ معها، مسايرة ل (تقليعات) المجتمع وثقافته، ونزوع الناس إجمالاً لاستمالة الرأي العام على سبيل المثال!.

بعض الأندية، انطلق من فكرة شائعة، ما لبثت أن استقرت بوصفها بدهية تقول بأن الإنسان سُمّي كذلك لأنه ينسى، ويتراوح النسيان بين البسيط، من خلط وجوه وأسماء إلى الخرف، وهكذا كانت الفكرة لجمعية تحمل اسم (نادي شاردي الذهن) يحمل أعضاؤه ميدالية توضح أن حاملها (ناسٍ مرخصّ)، ليعذره الناس إذا ذهل عن أسمائهم أو وجوههم!. ويفيد من طالت إقامته في الغرب، بأن ثمة أندية تكاد تنسى، والعجيب أنها كانت لكل المناسبات، حتى إن هناك نادياً تأسس عام ،1929 حمل اسم (نادي الكذابين) وشرط الانتساب له، هو أن يرسل المشترك دولاراً واحداً فقط، إلى رئيس النادي مع كذبة مبتكرة، ليصبح عضواً أصيلاً، ونادي الكذابين ليس وقفاً على المحامين والسياسيين بل يتعداه إلى الكذابين الهواة، وليس المحترفين… وهناك أيضاً ما عرف (بنادي الناس الغلابة) وأعضاؤه من الناس الذين يرفضون ارتداء الثياب الحديثة ويفضّلون الثياب القديمة، والأكثر عجباً هنا، طرافة شعارهم الذي يقول: (الحماس يزول، أما البلاد فتبقى إلى الأبد)!

وهناك غيرها من أندية للناس الذين يقاطعون الخطباء، خاصة من يرفضون النزول عن المنصة ويستطردون، غير آبهين بالتصفيق الحار لما له من دلالة لا تعني الإعجاب دائماً، وإنما إشارة من الجمهور إلى ضرورة أن يتوقف الخطيب، ولكن بشيء من التهذيب.

وتساءلت في لحظتنا هذه: أي نادٍ يمكن أن يشترك فيه الناس؟ بل ما الذي يمكن تسميته من أسماء جديدة، إذا أصبحت جمعية الرفق بالإنسان في ذمّة النسيان، فلا بأس بجمعية أو نادي الرفق بالإبداع، أو بالنقد، أو النوم لمن لم يستطعه، وطبعاً-دون أن يذبح لنا أحد طير حمام ولو عابراً أو جمعية الصمت، صمت القبور التي أرى أن من شروط الانتساب لها، أن يكون منتسبوها ممن ربطت ألسنتهم، ويعتبر الثرثارون من أعدائها الخطيرين.

لكنني في المقابل، أجدني مردّداً ما قاله فيلسوف دعي للانتساب إلى واحدة من تلك الأندية المنسية، من (أنني أرفض الانتماء إلى نادٍ يقبل واحداً مثلي).

 كي لا أتهمّ بالانتساب إلى نوادي الأحلام الضائعة التي تظّل على ندرتها، الأكثر براءة وخفّة مما قد يتفتّق في مخيّلات المولعين بعجائب الأسماء وابتكارها، شغفاً أو مناكفة، لا لشيء، بل لأشياء باتت تخصّ الروح فحسب.

ولذلك تتراءى لي جملة اقتراحات، ليست على سبيل التندر، ومنها نادي: (لا تقرأ هذا الكتاب، أو دليلك إلى الكتاب الرديء، أو نادي الأندية: الأسوأ حظاً) والله من وراء القصد!

العدد 1107 - 22/5/2024