أهمية العمل التطوعي ودوره في بناء الإنسان

(طوبى للذي ينظر للمساكين)…. تلك الكلمات التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، هي خلاصة الإنسانية والمحبة والعطاء.

فالإنسانية تقتضي أن يكون الإنسان عوناً لأخيه الإنسان, وخاصة في زمن الحروب والأعباء والمسؤوليات التي زادت وكبرت بحيث أصبح تنظيمها ووضع القوانين المناسبة لها أمراً ضرورياً. فتقرر إنشاء منظمات وهيئات ترعى هذا العمل, وتحدد المهام المنوطة به, وتضع اللوائح والأنظمة الضابطة له، إذ أثبتت التجارب أن بعض الأجهزة الرسمية لا تستطيع وحدها تحقيق كل غايات خطط التنمية والمشاريع دون المشاركة التطوعية الفعالة للمواطنين والجمعيات الأهلية التي يمكنها الإسهام بدور فاعل في عمليات التنمية, نظراً لمرونتها وسرعة اتخاذ القرار فيها. ولهذا اعتنت الدول الحديثة بهذا الجانب لمعالجة مشاكل العصر, والتغلب على كثير من الظروف الطارئة في منظومة رائعة من التحالف والتكاتف بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي.

ويُعرّف التطوع بأنه: الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل مسؤولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية, وهو كذلك خدمة إنسانية وطنية تهدف إلى حماية الوطن وأهله من كل خطر. وفي بعض الدول كسويسرا مثلاً يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20- 60 سنة.

وتأتي أهمية العمل التطوعي في إكمال العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع من خلال توفير الخدمات وتطبيق الأسلوب العلمي عبر خبراء متطوعين, وخلق قنوات اتصال مع منظمات شبيهة بدول أخرى من دون حساسية أو التزام رسمي, للاستفادة من تجاربها الناجعة القابلة للتطبيق.

أيضاً تتجلى أهمية العمل التطوعي في جلب خبرات أو أموال من خارج البلاد من منظمات مهتمة بالمجال نفسه, إلى جانب المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات بهدف التبادل, والاستفادة والنجاح. ومما يُلاحظ في السنين الأخيرة التركيز على الأعمال التطوعية، إلاّ أنها على الرغم من مساهمتها في عملية التنمية بشكل جزئي, لكنها لم تأتِ بالثمار المطلوبة لعدة أسباب منها:

-الجهل بأهمية العمل التطوعي.

– الظروف الاقتصادية السيئة التي سببتها الحرب, والتي جعلت البعض يعزفون عن التطوع واللهاث سعياً للرزق وتحسن الأحوال المعيشية, مما أدى لعدم وجود وقت كافٍ للتطوع, أو تعارض وقت هذا العمل مع وقت الدراسة بالنسبة للطلاب المتطوعين.

– عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم, وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.

– عدم الاهتمام بالإعلان المطلوب الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها.

– عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.

– عدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.

وهناك معوقات تتعلق بالمجتمع منها:

– عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. وعدم بث هذه الروح بين أبناء المجتمع منذ الصغر. فثقافة التطوع متدنية بشكل كبير في كثير من المجتمعات العربية.

– اعتقاد البعض أن التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب.

– عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه.

أما الإشكاليات التي تجابه العمل التطوعي وتحول دون نجاحه, فتتمثل بالعلاقة مابين المتطوعين والموظفين الرسميين, وبين المتطوعين والعملاء, وعدم جدية بعض المتطوعين, أو عدم التمويل الحكومي, إضافة إلى مشكلات مكانية.

عوامل نجاح العمل التطوعي:

– أن يفهم المتطوع بوضوح رسالة المنظمة وأهدافها.

– فهم المتطوع للأعمال المكلف بها والمتوقعة منه.

– أن يُلِمّ المتطوع بأهداف المنظمة ونظامها وبرامجها وأنشطتها وعلاقته بالعاملين فيها.

– أن يجد المتطوع الوقت المطلوب منه قضاؤه في عمله التطوعي بالجمعية.

– الاهتمام بتدريب المتطوعين على الأعمال التي سيكلفون بها حتى يمكنهم تأديتها بالطريقة التي تريدها المنظمة.

– إيضاح الهيكل الإداري للمنظمة للمتطوعين.

– إجراء دراسات تقويمية لأنشطة هؤلاء المتطوعين.

والسؤال الذي يطرح الآن هو: هل يُعَدُّ قانون الجمعيات النافذ حالياً ملبياً ومواكباً لمتطلبات عمل الجمعيات..؟

والجواب: لا.. فالقانون الدولي لا يواكب هذه المتطلبات, وليس مشجعاً لها في مبادراتها. وإن الجمعيات في سورية تتركز في المدن, وخاصة في العاصمة دمشق, بينما تعاني المناطق الريفية نقصاً في المبادرات وفي التوجه نحوها تنفيذياً. ولا يخفى علينا دور الأزمة السورية التي أثرت إلى حد كبير وساهمت في تغيير أولويات العمل التطوعي نتيجة الظرف الراهن.

كذلك لأن آليات العمل التطوعي قد تعرضت لتأثير كبير, وصارت أكثر ارتجالاً وسرعة نتيجة الطابع الإغاثي للخدمات التطوعية أثناء الأزمة. كذلك فإن دوافع العمل التطوعي ومعوقاته تعرضت بسبب الأزمة لتأثيرات جذرية.

من هنا نؤكد ضرورة تفعيل القطاع التطوعي وجمعيات المجتمع الأهلي, والتركيز عليها والاهتمام بها, وجعلها من ضمن الأولويات, لأنها تمثل عملاً مهماً في تطوير الحوار المجتمعي وآلياته, والمساعدة في تعافي النسيج الاجتماعي للمجتمع السوري في مواجهة ما قد تخلفه الأزمة من أحقاد وتعصبات، وإعادة اللحمة الوطنية بكل أبعادها الاجتماعية والإنسانية.

 

 

العدد 1107 - 22/5/2024