واقع ما يُسمى بالمؤسسات الرديفة.. والفرق التطوعية

ظهرت في سورية مؤخراً مبادرات عديدة وفرق تطوعية كثيرة تهدف إلى احتواء آثار الأزمة سواء على الصعيد الفكري أو على صعيد الواقع المعيشي للمواطن السوري، وقد سعت مؤسسات غير رسمية ومؤسسات شبه رسمية، كالهيئة العامة السورية للتنمية من خلال جهود عديدة، إلى تقديم كل أشكال الإغاثة والعون لأبناء الشعب السوري ومن في حكمهم.

وقد اتخذت هذه الفرق التطوعية أشكالاً كثيرة ابتداءً من أمور شكلية كتزيين الشوارع وطلاء الكتل الأسمنتية التي باتت منتشرة لضرورات أمنية.. ومنها فرق متخصصة تؤسس لمرحلة إعادة الإعمار.. كفريق(البنيان) التطوعي للتميّز الهندسي، الذي يُقيم دورات مجانية في مجالات مختلفة بغية المساهمة في تأهيل كوادر شابّة لمرحلة إعادة الإعمار، وبغية تكريس أدوات مهنية وعلمية منهجية واحترافية لترشيد الطاقات الشابّة التي توشك على التخرّج في كلية الهندسة المدنية والعمارة وكلية الفنون الجميلة في دمشق، بحيث تستطيع تلك الطاقات تحمّل المسؤوليات المُناطة بها في مرحلة إعادة الإعمار.

ولعل من الجدير بنا الحديث عن المبادرات الثقافية، لأن هناك فراغاً ما في الوعي استغلته أطرافٌ عدّة لبث الفتنة والتفرقة بين فئات الشعب السوري، سواء تلك الأطراف المرتبطة بقوى استعمارية أو استبدادية، وقد أعلن اتحاد الكتاب العرب إطلاق حملة عنوانها (ثقافة التنوير)، وأنفق مالاً ليس بالقليل على نشر لافتات تحمل هذا الشعار، ولكن مع الأسف لم يكن هناك جديد فيما قدمته فعّاليات الاتحاد، ربما لأن من يختار قيادات تلك المؤسسات هم الأشخاص ذاتهم، وهؤلاء يختارون نمطاً محدداً من الأشخاص المرة تلو الأخرى، وقد جاءت فعّاليات الاتحاد بالخطاب الكلاسيكي ذاته، وتبنّت المفاهيم ذاتها الرائجة لدى المؤسسات ذات التمويل الرسمي بالنسبة لما يحدث في سورية، وقد تعرّض الاتحاد للانتقاد من قبل بعض أعضائه لأنهم قالوا لسنا غارقين في الظلام حتى يأتينا أحدهم بمثل هذا الشعار، وفي حقيقة الأمر فإن فعّاليات الاتحاد التي تكون الدعوة (عامة) في معظمها، ونادراً ما يحضرها سوى الأعضاء وجمهور مُحدّد من الكهول والمتقاعدين، تشعر عندما تدخل الفعّالية وكأنك تدخل خيمة زعيم عشيرة بخيل، لأن الكل يعرف بعضهم بعضاً والكل يرحب ببعضهم البعض، ونادراً ما تجد (غرباء).

ولعل ابتعاد أصحاب المكاتب العريضة والتي لا تختلف في نظري عن المتاريس، وتمترس العديد من المسؤولين في الوسط الثقافي خلف تلك المكاتب، وكأن الثقافة حالة تنظيرية وليست ممارسة أو حالة ذات أبعاد تطبيقية، جعل العديد من الغيورين على هذا الوطن الحضاري يبادرون إلى إطلاق صالونات ثقافية ومنتديات وملتقيات جمعت السوريين بكل أطيافهم، لكنها افتقرت إلى المنهجية فبقيت حالة تجميعية لا أكثر، وقد حاولت بعض المبادرات الثقافية كمبادرة (الوطن.. لنا) أن تعمل وفق منهجية ومعايير معينة بهدف النهوض بالمجتمع، وإخراج المثقفين من خلف المنابر وطاولات المقاهي.. ولعلّ في مُجمل ما تقدّمُه بعض المؤسسات الرديفة والعديد من هذه الفرق التطوعية تجلّياً ملموساً لرسالة حضارية نابذة للحرب والتدمير وسائر القوى الرجعية المتصارعة لتحقيق مكتسبات خاصة بها وصيانتها، على حساب دماء الشعب السوري وأوابده ومستقبله.

 

العدد 1107 - 22/5/2024