جميعنا بحاجة إلى الحب قدر حاجتنا إلى الأمان

هناك من يقول إن القيم بمجملها كلية وغير قابلة للتجزيء، بمعنى أنها لا يمكن أن تحمل متناقضين معاً. وهذا يعني أن كل من يحمل قيماً أخلاقية ما لا يمكنه بالتالي التعامل بعكسها مهما غالبته أو غلبته الظروف والتحديات وطوارئ الأيام.

ومنذ ما قبل الأزمة/ الحرب السورية الراهنة بعقود سادت لدى البعض مصطلحات ومفاهيم نابعة من سيادة ثقافة راهنة قائمة على نمط اقتصادي- استهلاكي نشرته عولمة اقتصادية رأسمالية تهدف إلى استلاب الإنسان خدمة لمصالحها، وقد عملت على تبنّيها وتعزيزها فئات نمت في الظلّ كما تنمو الفطور والطفيليات على جسد وقيم الحياة والمجتمع، فخلخلت المفاهيم وقلبت الموازين والمعادلات لصالح فكرها وأهدافها، فسادت أخلاقيات غريبة مجّدت النهب والسطو والتحايل، مثلما مجّدت في المجتمع قيم الفردية والأنانية، ممّا عمل على تخريب وتشويه الإنسان والاقتصاد معاً، وقاد لاحقاً إلى احتجاجات شعبية اغتالتها الفئات ذاتها داخلياً وخارجياً، فدخلت البلد دوامة حرب ما زالت نيرانها متأججة حتى الساعة، وهنا أيضاً سادت أخلاقيات مشبوهة ومشوّهة، باتت وكأنها طبيعية في زمن غير طبيعي..

فهل يمكننا ردّ ذلك إلى الأزمة نفسها، أم أن أصحاب تلك الأخلاق المُشينة هم هكذا قبلها، وبالتالي هم من ساهم في صنع الأزمة واستمرارها..؟

إن ما أفرزته الأزمة السورية من أخلاقيات مشوّهة ومريضة، فرضت على المجتمع ممارسات شوّهت وخالفت قيمه المعهودة حتى باتت قيماً خُلّبية، في مرحلة تتطلب المزيد من التعاون والتآزر والتعاطف الإنساني.

صحيح أن الحروب بظروفها اللاإنسانية تدفع بالبعض، تحت وقع الجوع والفقر والتشرّد والمرض، إلى تبني أخلاقيات مُغايرة بعض الشيء لما كان يتبنّاه قبلاً، لكن بالمقابل، هناك البعض الآخر ولو كان قليلاً نسبياً ممن لا يمكنه ولا بحال من الأحوال التزحزح قيّد أنملة عن أخلاقياته ومبادئه القائمة على نبذ كل ما هو منحرف وسلبي، عملاً بالمقولة الشعبية (الحرّة تأكل ثدييها ولا تجوع).

فهل يعي الناس(أفراداً وحكومة) مقدار تشوههم ويعودون إلى إنسانيتهم ولو بحدودها الدنيا، في زمن بتنا فيه جميعنا بحاجة إلى لمسة حنان بقدر ما نحن بحاجة إلى الإحساس بالأمان والكرامة..؟

العدد 1107 - 22/5/2024