في طرطوس إلى متى يبقى الرغيف الجيد هاجس المواطن؟!

في وقت تدخل فيه الأزمة التي عصفت بنا عامها الخامس، يستمر المواطن في تحمّل تبعاتها وعواقبها، ولسان حاله يقول: (اللهم نجّنا من شر ما هو أعظم)! ولكن على ما يبدو فإنه ليس بالدعاء وحده يتحقق ما نصبو إليه وما نريده، فبالرغم من كل الأدعية والمناشدات والمطالبات بتحسّن واقع الرغيف في محافظة طرطوس، سواء من حيث النوعية أو الوزن، ما يزال المواطن الطرطوسي يحمد الله على توفر المادة ولو بالوضع الرديء قياساً بما جرى في محافظات أخرى، ويسأل عن السبب الذي يجعل الرغيف بهذه الرداءة، مدام الدقيق متوفر والخميرة متوفرة والوقود وكل مقومات إنتاج رغيف جيد متوفرة، فهل المشكلة في العامل البشري، أم في ضعف المحاسبة، أم في قلّة الخبرة، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟! ولماذا يتفوّق فرن أو أكثر بإنتاج الرغيف الجيد جداً، سواء من حيث النوعية أو الوزن كما هو الواقع في فرني القدموس وصافيتا؟!

إذاً من يريد الارتقاء بالرغيف، فهو قادر على ذلك، شريطة امتلاك الإحساس بأن هذه اللقمة هي أمانة في رقبة العاملين في الأفران، من أكبر مسؤول إلى أصغر عامل.

وكي لا يحتّج علينا أحدهم بأن الواقع الحالي من حيث الخميرة والدقيق يفرض إنتاج رغيف كهذا، فنقول: بالرغم من كل هذا مازال الرغيف جيداً في القليل من أفران محافظة طرطوس، منوّهين هنا بالدور الكبير للسيد محافظ طرطوس في المتابعة والمراقبة على الأفران، ولكن للسيد المحافظ مهام وأعمالاً كبرى لا يمكن أن ينحصر عمله في الأفران.. إذ إن للجهات الرقابية الأخرى الدور المكمّل والمنفّذ لتوجيهات السيد المحافظ، فلماذا لا تقوم تلك الجهات بدورها في هذا المجال- يسأل مواطنون؟!

السيد أبو إبراهيم (من جرد الدريكيش) تحدث عن رداءة الرغيف والرائحة واللون، وتساءل عن السبب الذي يجعل الرغيف هكذا، مشيراً إلى أنه من غير المقبول أن يتحول نصف ربطة الخبز علفاً للدجاج، لأنه لا يمكن تناوله في اليوم الثاني. وتساءل عن السبب الذي يجعل حصة جرد الدريكيش الشرقي دائماً من خبز الليل، وهو أقل جودة من خبز النهار، بسبب التكديس طوال الليل، فلماذا لا يتم التوزيع بشكل دوري وعادل؟!

في حين ترى الآنسة سلمى (من طرطوس) وهي تحصل على حاجتها من الخبز من فرن الرمل، أن المسؤولين عن إنتاج الرغيف لا يملكون من الإحساس بالمسؤولية ما يكفي، وهم لا يتحسّسون واقع الأهالي الفقراء الذين لم يعد لهم قدرة على شراء الكثير من حاجياتهم وسلعهم، إذ بات الخبز يشكل الوجبة الأساسية لهم.

السيد أبو شادي (من صافيتا) يتحدث عن الرغيف الجيد في فرن صافيتا قياساً ببقية الأفران، خصوصاً في هذه المرحلة، ويتمنى على المعنيين بإنتاج الرغيف إصدار تعميم يقضي باتباع دورات للعجانين ولرؤساء الورديات على أيدي فنيين واختصاصيين، لأنه من غير المعقول أن يبقى الخبز في المحافظة بشكل عام على هذه الشاكلة.

السيد أبو أسامة (من الشيخ بدر) قال: من غير المنطقي أن نزيد الأزمة أزمة من خلال عدم الإحساس بخطورة المرحلة واللامبالاة في العمل، وخاصة فيما يتعلق بالرغيف. ويضيف متسائلاً عن السبب الذي يجعل الخبز في الأفران الخاصة جيداً جداً، مع الإشارة إلى النقص في الوزن خلافاً لما هو عليه الحال في الأفران العامة، علماً أن الأفران الخاصة تحصل على الطحين نفسه والخميرة نفسها؟!

السيد محمود تساءل عن الكميات المخصصة للأفران الخاصة، وعن السبب في عدم وجود لائحة بتلك الكميات وبالأسعار وبساعات العمل، لأن بعض الأفران الخاصة لا تعمل أكثر من ساعة وتبيع قسماً من الطحين والمازوت، متسائلاً عن مصدر الطحين الذي يحصل عليه عدد من التنانير المنتشرة في أكثر من مكان، وعن الأسعار الباهظة التي تباع فيها تلك الكميات.. مضيفاً بأنه من الضروري ترخيص تلك التنانير وإعطائها الطحين اللازم واقتطاع مبلغ معين لصالح البلديات أو مؤسسة الجريح أو الشهيد.

في اتصال من جريدة (النور) بالسيد علي مصطفى مدير المخابز بطرطوس، أوضح أن المشكلة تكمن في الخميرة المستوردة مؤخراً، فقد استقدمت شحنة خميرة صينية إلى شركة سكر حمص، وهي تحتاج إلى أكثر من خمس ساعات كي يتخمّر العجين، إضافة إلى نوعية الدقيق، مضيفاً أن إنتاج الخميرة الطرية حالياً شبه متوقف بسبب مشكلة مع وزارة الصناعة يأمل أن تعالج سريعاً.

السيد عاطف أحمد، مدير التموين وحماية المستهلك بطرطوس، أكّد أن المشكلة الحالية بإنتاج الرغيف تكمن في سوء الخميرة المستوردة، فقد استوردتها وزارة الصناعة إلى شركة سكر حمص وبلد المنشأ هو الصين، وهذه المشكلة في أكثر من محافظة، إضافة إلى  نسبة النخالة الموجودة في الدقيق. وأشار السيد عاطف إلى أنه عقد اجتماع بين وزارة التجارة الداخلية ووزارة الصناعة بدمشق لدراسة الموضوع ومعالجته بالسرعة القصوى، وتبيان أسبابه ومن يتحمّل المسؤولية في ذلك.

وبهذا الخصوص وللتذكير فإن الخميرة الجافة عموماً معيارها أقل من كيلو غرام واحد (700 غ) مع كمية من الخميرة البلدية التي تُحضّر في الفرن لكل 150 كيلو دقيق في الشتاء، في حين تحتاج الكمية نفسها من الدقيق إلى ما يزيد عن 3 كيلو من الخميرة المستوردة الجديدة.. وقد علمت (النور) بأن عدد من الأفران قد رفعت عدة كتب لتبرير هذه الكمية الزائدة.

علماً أنه بخصوص واقع الدقيق فقد طلبت الشركة العامة للمطاحن من كل الفروع والمطاحن بكتابها رقم 975/365/12/5/1/ص، معطوفاً على كتاب رئاسة الوزراء رقم  3694/1 تاريخ 4/3/،2015 استخراج الدقيق بنسبة 95% بدلاً من 80% سابقاً، وهذا ما سيعطي نوعية أقل جودة من السابق، بسبب وجود نسبة نخالة زائدة عمّا كان عليه الوضع سابقاً.

أخيراً.. تعدّدت الأسباب والرغيف مازال يعاني ما يعانيه من إهمال في عدد من أفران المحافظة، سواء العامة أو الخاصة، بالرغم من متابعة السيد المحافظ شخصياً لهذا الموضوع والتشدّد في معاقبة المخالفين، ولكن إذا كانت نوعية الخميرة والدقيق تأتي في المرتبة الثانية بإنتاج الرغيف، فأعتقد أن نوعية الضمير الذي يتعاطى به عدد من مديري الأفران وعمالها ورؤساء الورديات يجب أن تكون في المقدمة، فهل للقانون وللمحاسبة دور في إيقاظ بعض الضمائر النائمة؟! هذا ما نأمله وما يأمله المواطن في طرطوس.. ولنا متابعة.

العدد 1107 - 22/5/2024