ثقافة ماركسية

إن إسقاط الحق الأمي كان هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي. فقد أخذ الزوج دفة القيادة في البيت أيضاً، وحرمت الزوجة من مركزها المشرف، واستذلت، وغدت عبدة رغائب زوجها، وأمست أداة بسيطة لإنتاج الأولاد. إن وضع المرأة المذل هذا، الذي يظهر ببالغ السفور عند يونانيي العصر البطولي، وبسفور أشد عند يونانيي العصر الكلاسيكي قد طلي تدريجياً رياء ونفاقاً بالمساحيق، وأضيفت إليه أحياناً أشكال أخف وأرق، ولكن لم يُقض عليه إطلاقاً.

و ما إن أقرت سلطة الرجال بوجه الحصر على هذا النحو، حتى أخذ مفعولها الأول يتبدى في شكل انتقالي ظهر آنذاك، هو شكل العائلة البطريركية (الأبوية). إن الميزة الرئيسية التي تتميز بها هذه العائلة ليست تعدد الزوجات، الذي سيتناوله الكلام فيما بعد، بل (تنظيم عدد معين من الأشخاص، الأحرار وغير الأحرار، في عائلة تخضع للسلطة الأبوية لرئيس العائلة. ففي العائلة السامية، يعيش رئيس العائلة هذا في ظل تعدد الزواجات؟، وللعبيد زوجات وأولاد، وغاية التنظيم كله رعاية القطعان في حدود رقعة معينة من الأرض).

إن ضم العبيد إلى هذه العائلة والسلطة الأبوية هما العلامتان الجوهريتان اللتان تميزان هذه العائلة. ولهذا كانت العائلة الرومانية النموذج النهائي الكامل لهذا الشكل من العائلة. إن كلمة familia لا تعني، في الأصل، المثال الأعلى للبرجوازي الصغير التافه المعاصر الذي يجمع في ذاته بين العاطفية والمشاجرات البيتية، بل إنها لا تعني بادئ ذي بدء عند الرومانيين الزوج والزوجة والأولاد، بل تعني العبيد فقط. إن كلمةfamulus  تعني العبد البيتي، وكلمةfamilia  تعني مجموعة العبيد الذين يخصّون رجلاً واحداً. وحتى في زمن غايوس، كانتfamilia, id est patrimonium  (أي الميراث) تورث بالوصية. وقد استنبط الرومانيون هذا التعبير لأجل تعريف الهيئة الاجتماعية الجيدة التي كان رئيسها سيداً على المرأة والأولاد وعدد معين من العبيد، وكان يملك، بحكم السلطة الأبوية الرومانية، حق الحياة والموت على جميع هؤلاء الأشخاص الخاضعين له.

(و عليه، ليس هذا التعبير أقدم من النظام العائلي المصفح الذي انبثق عند القبائل اللاتينية بعد إدخال الزراعة والعبودية الشرعية، وبعد انفصال الإيطاليين الآريين عن اليونانيين) (49).

و يضيف ماركس قائلاً:

(إن العائلة العصرية لا تنطوي على جنين العبوديةservitus) ) وحسب، بل أيضاً على جنين القنانة، لأنها مقرونة منذ البداية بفروض (خدمات) الزراعة. وهي تنطوي بشكل مصغر على جميع التناقضات التي تطورت فيما بعد على نطاق واسع في المجتمع وفي دولته).

إن شكل العائلة هذا يعني الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. فلأجل ضمان أمانة المرأة، وبالتالي لأجل ضمان أبوة الأولاد، توضع الزوجة تحت سلطة زوجها المطلقة، فإذا قتلها، فإنه لا يفعل غير أن يمارس حقه.

فريدريك إنجلز (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة)

العدد 1104 - 24/4/2024