مسؤولون شركاء بخلق أزمات تضيِّق الخناق على المواطنين

يبرع عدد من المسؤولين في إيجاد المبررات الكافية للأزمات المعيشية والاقتصادية التي تضِّيق الخناق على المواطنين، وتزيد من أعبائهم، وتضعهم أمام خيارات غير محبذة. ويسهم هؤلاء في خلق أزمات بعينها، عبر رفضهم الاعتراف بوجود مشكلات وتحديات تتطور لتصل إلى مصاف الأزمات الخانقة، يصعب فيما بعد معالجتها وحلها، ويتعذر مواجهة آثارها الاجتماعية والاقتصادية. هي ثقافة المسؤولين، الممتدة عبر عقود، والرامية إلى رسم واقع جميل، مختلف عن الواقع الحقيقي. ثقافة  تنطلق من مبدأ، أن الأمور تسير بدقة كعقارب الساعة، تبعاً للخطط المُقرَّة، وأنه ليس هناك ما يعرقل التنفيذ، أو يعترض التطبيق. هذه الحالات غير الموجودة إلا في الأحلام، يمكن أن نلمسها الأن في تصريحات وأقوال شخصيات حكومية، نتيجة رغبة عدد من المسؤولين، عدم خلع ثوب ما قبل الأزمة الراهنة والطاحنة، وسعيهم لرفع ما يسمونه نسبة التفاؤل، من خلال عدم الخوض بالمحرمات. وهنا تبدو المحرمات مختلفة عن السابق، ويمكن إيجازها بضيق الحال المعيشي، وتردي الخدمات، والفقر المتزايد، والأسعار المنفلتة، والدخول والأجور المنخفضة. إذ عمدت الحكومة منذ أواخر العام الماضي إلى سحب كل ما يتعلق بسعر صرف الليرة من التداول الاعلامي، ظناً منها بأن الإعلام هو صانع أزمة سعر الصرف، ويمكن لصاحب هذه النظرية الفذة، أن يقيم التجربة عقب أكثر من 15 شهراً تلت التوجه المذكور، ويخبرنا عن النتائج المتحققة جراء ذلك. ثمة  خطأ في التعاطي، فالإعلام لا يمكنه صناعة أزمة معيشية أو اقتصادية، هذا الترف الهائل، والجودة في تقديم الخدمات الاعلامية، لم يصل إليها الاعلام السوري بعد.

 إنه ضرب من العبث، وسخرية القدر، تحييد الإعلام عن قضايا أساسية. لأن نفي وجود أزمة، هو محاولة مستميتة لترسيخ الأزمة عينها، وخلق فجوة عميقة بين المواطن والجهات العامة المسؤولة، وفي غياب المصارحة والشفافية، يتنامى عمل الظل بمكونات الفساد كاملة.

 لايوجد سعران للمازوت، كما نُقِّل عن وزير التجارة الداخلية، وفي الحقيقة هناك أكثر من سعرين، وسوق سوداء أيضاً، وإذا كان الوزير لا يعلم بها، فهذه مشكلة معقدة، وإن كان يعلم فالمشكلة تكون أعقد بكثير. بالمسطرة ذاتها، يمكن القياس، فمدير عام محروقات طلب قبل فترة وجيزة سحب موضوع المحروقات من التداول الإعلامي، دون أن يقدم ما الهدف من هذا العمل غير الممكن، الذي يفصل الإعلام عن مجتمعه، ويؤدي إلى تعميق الأزمة، وتجذيرها. الأزمات التي يعاني منها المواطن، لا علاقة للإعلام بها، الذي يقتصر دوره ـ أي الإعلام ـ على نقلها ضمن حدودها الدنيا. هذه التوجهات تتناقض مع ضرورة  نقل هموم الناس، فذلك إحدى وظائف الإعلام، وتتعارض مع الطلب الرسمي من وسائل الإعلام بالتوجه نحو الصحافة الاستقصائية.

ماذا نريد من المسؤول: تبرير التقصير أم معالجته؟ ها هو ذا السؤال الجوهري الذي لا يجيب عنه المسؤولون علناً، ولايحبذون الاقتراب منه. الرد على هموم الناس ومطالبهم، ليس منّة حكومية، ولا ترفاً لسنا بحاجة إليه، هو واجب على المسؤولين، وأحد مهامهم. والفرق بين أن يعترف المسؤول بوجود أزمة ما من عدمه، هو في خلق نوع من التعاون، والجو الإيجابي، بغية ايجاد حل من جهة، وزيادة معدلات الصبر والتحمل لدى المتضررين من جهة ثانية. ما يتطلب تغيير الصورة النمطية للمسؤول، لدى الناس، عبر اندماج هذا المسؤول مع قضايا المواطنين وهمومهم، بالدرجة الأولى. في وقت سابق ذهب وزيران ـ قبل التعديل الوزاري الأخير ـ للاطلاع على أسعار المطاعم، وكانت وجهتهما، منطقة المالكي بدمشق، فسأل أحد الوزيرين، مواطنة ترتاد مطعماً عن الأسعار وإن كان بإمكان ذوي الدخل المحدود ارتياد هذا المطعم؟ فردت المواطنة: ولماذا يرتاد ذوو الدخل المحدود هذا المطعم؟ الاجابة المفحمة انطلقت من السؤال الخاطئ. من يهتم بالأسعار يجب توجيه السؤال إليه، ومن يفتقد المازوت أكثر قدرة للحديث عن همومه، وليس المسؤول الذي ينفي وجود أزمة خانقة، تنال مما تبقى من عيش المواطن الكريم. ويبدو أن عدداً من مسؤولينا شركاء في صناعة الأزمات المتلاحقة، بينما بعضهم الأخر يمارسون دوراً أكثر خطورة، بصمتهم وغيابهم عن الساحة.

العدد 1107 - 22/5/2024