في سورية.. أطفال مدخنون ومدمنون!

أثناء سَيرك في شوارع العاصمة دمشق، قد تصادف أطفالاً لم يتجاوزوا الثامنة عشرة يدخنون ويحتسون المشروبات الروحية، يتبادلون السجائر لتذوق طعومها المختلفة ربما، ويقرعون علب المشروب بضحكات متباهية برجولة يحلمون بها، متناسين براءة الأطفال.

لم ترتبط هذه الظاهرة بالأزمة السورية، إنما ساعدت ظروف الحرب على انتشارها، في ظل غياب تام لرقابة أسرة أثقلت الحرب كاهلها، ولم تعد تقوى على العناية بأطفالها.

بائعون صغار

فوق جسر الرئيس في منطقة البرامكة، تنتشر بسطات بيع الدخان، وغالبية البائعين فيها هم من الأطفال.

ينتظر زيد ابن اثني عشر عاماً قدوم زبائنه لبيعهم الدخان المهرب، ترك زيد المدرسة ليعمل مع إخوانه الثلاثة لإعالة أسرتهم بعد وفاة والدهم. يقول زيد: (بدأت العمل منذ عدة أشهر، وأدخن منذ سنة تقريباً، طعمه يعجبني، وقد أحتاج إلى علبة دخان كل يومين تقريباً).

يبيع أكرم ابن الأعوام العشرة الدخان بالقرب من إشارة مرور في منطقة الجسر الأبيض، ويؤكد أنه يقوم بهذا العمل لمساعدة أسرته النازحة من حلب، والتي تقطن في أحد مراكز إيواء النازحين. ويقول أكرم: (أنا لا أدخن ولا أحب التدخين، لكن هذا العمل هو مصدر رزقي لا أكثر).

مدخن قديم

في منطقة الصناعة بالقرب من كراج الست، يبيع أيمن بعض الحلويات والسكاكر، يدخن أيمن تدخين محترف قديم، ويرفض التحدث إلي في البداية، لكنه يتراجع عن ذلك قائلاً: (أدخن منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ولا علم لأهلي بما أقوم به، كل ما يعنيهم أن أعود إلى البيت مساء حاملاً بعض النقود).

وفي المدارس أيضاً!

ينتشر التدخين في المدارس الحكومية منذ وقت طويل، وتنتشر معه دوريات التفتيش، لكن العقوبات المدرسية لم تعد تشكل رادعاً للتلامذة، بل إن بعضهم تحول إلى تجارة السجائر، ويتراوح سعر السيجارة الواحدة في المدرسة بين 5 و15 ليرة.

يفترش أحمد، ذو الأحد عشر عاماً، الرصيف أمام إحدى المدارس في حي الشيخ سعد بمنطقة المزة، ليبيع أنواعاً مختلفة من الدخان بعد انتهاء الدوام المدرسي وفي العطلة الصيفية، كما أنه يقوم ببيعه لزملائه في المدرسة. يقول أحمد إن زملاء الدراسة أصبحوا زبائنه الدائمين. ويضيف: (أبيع السجائر في المدرسة بالقطعة، وهذا ما يشكل لي أرباحاً تفوق تلك التي أجنيها من بيعها بالعلبة. تعرضت للفصل المؤقت من المدرسة مرتين، إلا أن هذه العقوبات لا تعنيني، فأنا لا أحب المدرسة).

ازداد انتشار محلات بيع المشروبات الروحية في الآونة الأخيرة انتشاراً لافتاً، لكن اللافت أكثر هو أن الأطفال دون الثمانية عشر عاماً هم من مرتاديها الدائمين.

يقول أيهم، صاحب محل لبيع المشروبات في منطقة المزة ،86 إن الأزمة لعبت دوراً هاماً في انتشار المشروب وخاصة في ظل غياب الرقابة عن المحال التجارية وسهولة التهريب، مضيفاً أنه لا يجد مانعاً من بيع المشروبات لمن تحت الثامنة عشرة، (هذا الجيل سابق لأوانه).

السكارى الصغار

في أحد الأزقة في منطقة المزة، يحتسي علاء ذو الأربعة عشر ووسيم ذو الخمسة عشر عاماً، مع أصدقائهما، المشروبات الروحية ومشروبات الطاقة.

يقول علاء: (نلتقي وأصدقائي أسبوعياً لنستمتع بالمشروب، فهو لذيذ جداً، لكنني في بعض الأحيان ألجأ إلى هذا المكان للهروب من مشاكلي مع زوجة أبي، والداي مطلقان وأعيش مع أبي وزوجته، أشرب كي أنسى).

في الحديقة القريبة من فندق الفور سيزنز، يوجد الكثير من الأطفال يدخنون ويشربون الخمور في النهار ويقتتلون في الليل، وتعلوا أصواتهم حتى يأتي أحد عناصر الحاجز القريب -الذي اعتاد على وجودهم- لتفرقتهم.

العم أبو أحمد، الرجل الأربعيني يأتي إلى هذه الحديقة يومياً بعد الانتهاء من عمله مساء، ليستريح قبل العودة إلى البيت، يستنكر هذه الظاهرة ويؤكد أنها لم تكن موجودة بهذه الكثافة والعلانية من قبل.

في ظل عدم وجود قوانين تحمي الأطفال وتردع الباعة عن بيع الدخان والمشروبات الروحية لمن هم دون الثامنة عشرة، لا يمكن للأسرة وحدها حماية أطفالها من هذه الأوبئة.. إضافة إلى أنه ومنذ تطبيق قانون منع الضرب في المدارس العامة، وإن كان قد جاء على مبدأ التربية الحديثة، فإن المدرسة والأستاذ فقدا دوريهما في التربية، فالأستاذ فقد هيبته واحترامه اللذين كان فرضهما على تلاميذه من قبل، وأصبح بإمكان أي طالب أن يتسبب بإقالة المدرس أو نقله إلى مدرسة أخرى لمجرد أن هذا المدرس قد وجه له كلمة لم تعجبه.

يضاف إلى ذلك انفتاح البلد اللامحدود لكل ما يأتي من الخارج دون ضوابط، وانتشار التهريب ودخول مواد غير معروفة المصادر ولا المخاطر.

كل ذلك يضعنا أمام السؤال الأهم: من سيحمي أطفالنا؟!

العدد 1105 - 01/5/2024