انحراف المرأة.. مكتسب أم أصيل؟

كثيرة هي المشاكل والظواهر السلبية والحسّاسة التي أفرزتها أو عززت وجود بعضها الحربُ والظروف التي يعيشها المجتمع منذ سنوات سبع، والتي غالباً لا يحبّذ الناس الغوص فيها، لما لها من خصوصية مرحلية وقيمية بآنٍ معاً.

وأهمُّ هذه الظواهر والأكثر انتشاراً، ظاهرة السرقة والسلب والنشل وما شابهها، لكن الأخطر واللافت للانتباه أن المرأة حاضرة وبقوة في هذه العمليات، فقد أعلن مصدر قضائي نهاية نيسان الماضي أنه جرى ضبط العديد من عصابات السلب تقودها نساء، معتبراً أنهن يلعبن دوراً كبيراً في مسألة النهب والسلب.

ونظراً لما تتمتع به المرأة عموماً من خجل وخوف، سواء من القيم والأخلاق المجتمعية، أم من فشلها المحتمل في أن تنجح بممارسة هذه الأفعال، وبالتالي التشهير بها ووصمها بصفات غير لائقة، ما يجعل من حضورها أو قيادتها اليوم لتلك العصابات أمراً مُثيراً للدهشة والاستهجان والتساؤل عمّا إذا كانت هذه المسلكيات عند بعض النساء أصيلة، أم مُكتسبة فرضها الواقع الأمني والاقتصادي والمعيشي الصعب..؟

باعتقادي أن قيام المرأة بمثل هذه الأفعال قديم قِدَم الحياة والإنسان، لأسباب متعددة لا صلة بينها وبين الفقر والحاجة، وإنما لأسباب تربوية سلبية نابعة إمّا من دلال مُفرِط يؤدي إلى الأنانية وحب الامتلاك والاستحواذ على كل ما تقع عليه العين أو اليد، أو تضييق خانق على ما يحتاجه الأبناء أطفالاً كانوا أم مراهقين، لاسيما حين يكونون بصحبة أقرانٍ يستحوذون على كل ما يرغبون فيه من مال أو لباس وأدوات زينة أو سواها، وبالتالي فإن الرغبة في التقليد، أو الشعور بأن أولئك الأبناء ليسوا أقلّ من أقرانهم شأناً هو ما يدفعهم في غالب الأحيان إلى السرقة من أجل الحصول على ما لدى أولئك الأقران. بالمقابل هناك الكثير من الأطفال في أعمار مُبكّرة يلجؤون إلى السرقة ليس من أجل أية غاية، وإنما لجهلهم بأن هذا السلوك سلبي وأنهم يجب ألّا يتطاولوا على ممتلكات الغير، وبالتالي هي حالة طبيعية أثناء نمو الشخصية وتكوين قيمها وتجاربها.

ولكن، علينا ألاّ نُغفل دور الفقر والعوز والجوع، في تنمية دافع السرقة أو تقويته، لاسيما في الحروب التي تلتهم نيرانها كل مقومات الحياة الطبيعية للناس، خاصة المرأة التي يقع عليها خلال تلك الحروب العبء الأكبر من مسؤولية تأمين مستلزمات أسرتها، بسبب إمّا بطالة الرجل، أو غيابه للمشاركة في القتال أو بسبب مقتله أو اعتقاله أو هروبه.

وهنا تجد المرأة نفسها أمام مفترق طرق تؤدي غالبيتها إلى سلوكيات مُنحرفة(سرقة، سلب، دعارة… الخ) من أجل تأمين لقمة العيش، في ظلّ انعدام فرص العمل المناسبة لها، أو انعدام مؤهلاتها العلمية والعملية معاً، وهذا ما يجعلها تخضع مُرغمة في كثير من الأحيان والحالات للسرقة، أو الانخراط في أعمال أخرى غير لائقة اجتماعياً وأخلاقياً. وبالفعل، فقد غدت ظاهرة العصابات النسائية التي تقوم بالسرقة والنصب والاحتيال أو النشل لافتة للانتباه بقدر ما تُثير الخوف والهلع بين الناس، بحكم الأساليب المُتبعة من قبل أولئك النسوة للوصول إلى غايتهن عبر طلب المساعدة أو مد يد العون لهن، في مجتمع ما تعوّد يوماً أن يصدَّ امرأة ملهوفة أو مُستغيثة. وهذا بالتالي ما دفع العديد من الناس إلى رفض المساعدة حتى لو كانت المرأة تحتاجها بصدق فعلاً، مما قلّص مساحة الرحمة والتآلف بين أفراد المجتمع.

إن الوضع الراهن بكل ما يحمله من ظواهر سلبية بالنسبة للجنسين معاً، وخاصّة المرأة، باعتبارها اللبنة الأولى في تكوين شخصية الطفل كأم ومربية ومعلمة ووو الخ، يتطلب من كل الجهات المعنية رسمية أو خاصة، العمل، لا على معاقبة أولئك النسوة، أو تجريمهن، بل انتشالهن من قاع الفقر والحاجة، للعودة بهن إلى ما اتسمت به المرأة من حنان وعطف وكرامة تليق بها وبالمجتمع الذي تبنيه عبر أمومتها.          

العدد 1105 - 01/5/2024