برسم وزارة التنمية الإدارية.. الاستثمار في الموارد البشرية

أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم رقم 281 للعام 2014 حول تحديد مهام وزارة التنمية الإدارية وأهدافها.. ولا ندري كيف ستتعامل وزارة التنمية الإدارية مع بعض العقليات والذهنيات المتخلفة التي تعشعش في مفاصل قطاعنا العام وشركاته ومؤسساته، والتي فصّلت القوانين والأنظمة على مزاجها؟ فبالرغم من التطور الكبير الذي حصل في كل مناحي حياتنا اليومية، وثورة التقانة والمعلومات والإعلام التي نعيشها، فنحن شئنا أم أبينا في خضم هذا التطور والتحول السريع والهائل والذي يجري يومياً على مستوى العالم والمنطقة، تصادفك في دهاليز العمل العام هذه العقليات والذهنيات الغريبة والعجيبة المستندة إلى بعض الأنظمة والقوانين التي تكبل العمل وتمنع المبادرة وتدعم نظريات الموظفين العصمليين الذين مازال الكثير منهم قابعاً في المفاصل القيادية لمؤسسات القطاع العام ووزارات الدولة.

وتعبر هذه الذهنيات عن نمط تفكيرها بأقوال منها:

– (ما دَخَلنا..)

– (لا.. لا تقترح.. دير بالك…)!

– (لا.. لا توقّع….)!

– (اربط الكرّ محلّ ما بيقلك صاحبه..)! والكثير الكثير من هذه الأقاويل والنظريات العفنة التي تخنق أي روح للمبادرة وللتطوير والتحديث، وتجعل دم الفساد والمفسدين يسري في شرايين مؤسساتنا ودوائرنا الوطنية، التي أثبتت أن كل الحرب الضروس عليها لإفراغها من محتواها وضربها لضرب الدولة السورية قد فشلت.

لقد كانت ومازالت هذه المؤسسات والشركات العامة بعمالها وموظفيها الدرع الذي حمى الوطن إلى جانب الجيش العربي السوري البطل… فخلال الحرب الكونية التي شُنّت على سورية خلال الأربع سنوات من الصمود الأسطوري لشعب سورية وجيشها وقيادتها، كان دور القطاع العام كبيراً في الصمود، فقدم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى… وكما سيخلد التاريخ الحكايات البطولية عن صمود جيشنا العربي السوري في الميدان وفي كل الأراضي السورية وفي كل المناطق (سجن حلب المركزي- مفرزة جسر الشغور- الفرقة 17 – كسب.. إلخ).كذلك ستروى الروايات والأساطير عن بطولات عمالنا وموظفينا كل في مكانه، من عمال الكهرباء إلى عمال النفط إلى المعلمين في مدارسهم وجامعاتهم وعمال النسيج والمطاحن.. والسكك الحديدية والمطارات والمرافئ.. إلى عمال النظافة.. إلخ.

بعد أربع سنوات من هذه الحرب الملعونة على سورية، والتي فشلت بفضل هؤلاء الأبطال العمال والفلاحين الصامدين المقاومين الصابرين وأبنائهم الأبطال الميامين في الجيش العربي السوري، يجب أن تتغير العقليات والذهنيات والنظرة بشكل عام إلى القطاع العام، ويجب تطوير الأنظمة والقوانين وأخلاقيات العمل.

إن المهمة الكبيرة والأساسية تقع الآن على عاتق هذه الوزارة الجديدة (وزارة التنمية الإدارية)، فيجب أن تتغير العقلية والذهنية وتتطور القوانين والأنظمة وتعطى مرونة للإدارة والعاملين لتطوير منشآتهم بما يحقق زيادة في الإنتاج والإنتاجية، ويحقق قيمة مضافة تنعكس في تحسين أجورهم ورفع مستوى حياتهم المعيشية، وأن توضع آلية تشجع كل مبادرة أو اقتراح لتطوير العمل وتحسينه.. وأن يتم التوصل إلى صيغة أفضل لعمل الجهات الرقابية والوصائية على العمل والعمال، مثل هيئة الرقابة الداخلية أو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.. ويمكن أن نضع بين أيدي الوزارة العتيدة العديد من الحكايات والقضايا التي عولجت بطريقة محبطة لكل مبادر أو لمن يريد أن يعمل.. فترى الموظف أو المدير الذي كان عبئاً في هذه المؤسسة أو تلك، ولم يبادر يوماً طيلة الـ30 سنة في خدمته الدولة تجده يخرج من العمل على المعاش معززاً مكرماً.. لم يقل له أحد: (ما أحلى الكحل بعيونك)!

أما الموظف أو المدير الذي يعمل ويكافح ويقترح، نراه يُسأل ويحقق معه و(يتبهدل)، وأحياناً نجد من يهمس في أذنه: (أي شو كان بدك بكثرة هالغلبة، كنت عم تاخذ راتبك وحوافزك ومكافأتك.. ضروري تقترح)؟!

هل يأتي يوماً نطبق فيه مقولة:

(من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد)؟  نأمل من الوزارة الجديدة أن تطبق ذلك على الجهات العامة، وعندئذ سنرى هناك الكثير من الاقتراحات البنّاءة والتحف من الأفكار المدفونة في عقول أصحابها قد تظهر وترى النور… ألم يخطر ببال مسؤولينا سؤال بسيط جداً: لماذا بعض السوريون يبدعون في الخارج، وتستفيد من أفكارهم واقتراحاتهم الكثير من البلدان والشركات؟!.. بينما كانوا في سورية مهمشين، منسيين، مبعدين؟ وإذا تجرأ البعض منهم أن يقترح أو يعمل، تجد من يضع العراقيل في وجهه، ويساهم في (تطفيشه) بشتى الأشكال والأساليب.

كم من العقول هاجرت وخسرناها.. انشغلنا في الاستثمار وجلب الاستثمارات وابتعدنا عن أهم استثمار على الإطلاق، ألا وهو الاستثمار في الموارد البشرية. نأمل من وزارة التنمية الإدارية أخذ كل هذا بالحسبان، ووضع أطر ونماذج حقيقية لإدارة الموارد البشرية، وتحديث القوانين والإجراءات المتعلقة بها وعلى الصعد كافة، بدءاً من التعيين وقوانين العمل في الإدارة ومعايير تقييم الأداء ونظم الحوافز والأمان للعاملين في الإدارة العامة وتنفيذ مهامها وأهدافها، كما جاء في المرسوم.

العدد 1105 - 01/5/2024