الطب.. مهنة إنسانية يشوهها الفساد!

عرفت مهنة المداواة وعلاج الناس منذ الحضارات القديمة بالمهنة الإنسانية التي تنقذ روح الإنسان من الموت، وتطورت هذه المهنة عبر الزمن بفضل أصحاب العقول التي ابتكرت وعملت بجد ليصل الطب إلى التطور الكبير الذي نشهده يومياً وارتقاء الأبحاث في جميع المجالات الطبية والعلاج والتكنولوجيا الطبية والطب النووي.

 أين نحن اليوم من هذه الثورة الطبية التي تحدث في العالم؟

في ظل الحرب التي تعيشها بلادنا منذ ثلاث سنوات ونيف، وانتشار الفساد في المجالات وميادين العمل العام والخاص كافة، والسوء في عملية الرقابة المجتمعية والمؤسساتية، وخاصة رقابة النقابات، بسبب المعارف والعلاقات، كل ذلك أثر كثيراً على نفوس الضعفاء الذين انساقوا خلف الفساد والتلاعب، لتحسين معيشتهم وجمع الأموال وبناء قصور تناسب قاماتهم المرموقة في المجتمع، الذي يحاولون صنعه وتسميته بالمجتمع المخملي. وقد أثر ذلك كله أيضاً على مهنة الطب أيضاً، فصار همّ الكثير من الأطباء جمع المال وبناء مجتمعهم المخملي الخاص، وهذا يعود إلى ضعف ثقافة المواطنة، بسبب غياب الإعلام الطبي والتوعوي، وكذلك غياب التربية الصحية في المدارس والمعاهد والجامعات. والسبب الرئيسي هو ضعف الرقابة النقابية على الأطباء، سواء في ذلك الأطباء العاملون في الجهات الحكومية وزملاؤهم في العيادات الخاصة.

وما يجري هو التلاعب في أسعار التي حددتها النقابة، وعدم وجود سعر ثابت للعمليات الجراحية وغيرها، مما يجعل المواطن فريسة سهلة النيل في زمن الحرب. وهذه الأمور تحدث بكثرة في عيادات الطب النسائي التي أصبح أطباؤها تجاراً بامتياز، وخاصة أطباء العقم وفتح الأنابيب وغيرها. لأنه لا قيود رقابية، أو إذا وجدت تبقى وهمية.. وما يحدث بالضبط هو استغلال عواطف الناس الذين عجزوا عن إيجاد حل للإنجاب ويحلمون بطفل يجدد حياتهم ويرعى بالأيام كبرهما.. وهنا يأتي دور الطبيب الذي تحوّل في مجتمعنا إلى مشعوذ وقور يستطيع أن يحقق حلمهما بالإنجاب، فيبدأ بممارسة تجارته اللا إنسانية من أجل المال.. وكثير من الأخطاء الطبية التي تحدث تؤدي إلى مشاكل أكبر في صحة الشخص المعالج. وقد قابلت أشخاصاً كثيرين تضررّوا، ولكنهم بسبب طيبتهم وبساطتهم لم يفعلوا شيئاً، فسلّموا أمرهم لله لعله يشفيهم من دائهم. وهناك أيضاً من يقدم شكاوى، ولكن مع الفساد المنتشر وقوة دور الطبيب في المجتمع يخسرون الدعوى، وكل أمل يعلقهم بالحياة!

والطبيب المتاجر يضحك ضحكته وهو سيد قصره، وبلسانه يبرر ذلك للناس بشهرته التي يريد البعض النيل منها، أو بغيرة طبيب ما فاشل يحاربه.. والناس مازالوا يصدقون، وهو يقبض ويجمع أمواله مؤسساً البنك والقصر، من حياة الناس.

ولكن مع وجود مثل هذا الطبيب القذر المتاجر بحياة الآخرين، فإن هناك أيضاً الطبيب الناجح الشريف الذي لم تغيره الأزمة ولم تمحُ الأطماع ضميره، ولم تحرق الحرب بنيرانها نزاهته وإنسانيته.

العدد 1107 - 22/5/2024