موسم الحبوب والفلاح المظلوم.. وزارة الزراعة: الانتاج المتوقع أكثر من 3.3 ملايين طن هذا الموسم

كعادتها، لم تستطع الحكومة أن تفي الفلاح حقه، فالسعر الذي وضعته ثمناً للقمح (61 ليرة للكيلو غرام الواحد)، لا يشكل رقماً مجزياً ومشجعاً لتسليم المحصول لمؤسسة تجارة وتصنيع الحبوب، استناداً إلى الكلف الباهظة التي دفعها الفلاح أثناء العملية الإنتاجية، والتي ستستمر خلال عملية استلام المحصول.

 قيمة محصول القمح، لا ترتبط مباشرة بكمية الإنتاج المتوقعة والبالغة وفقاً لوزارة الزراعة أكثر من 3.3 ملايين طن هذا الموسم، إذ يبدو البعد السياسي واضحاً جداً في هذا المجال. فالقمح ليس محصولاً كغيره، إنه المحصول الأول من بين المحاصيل الاستراتيجية، والأول في تحقيق الأمن الغذائي، والأول في تأمين رغيف الخبز للناس. هذه الأهمية الاستثنائية للقمح تجعل الجهود الحكومية المبذولة حتى الآن، أقل بكثير من المتوقع، ولا ترقى للمستوى المطلوب.

تحاول الحكومة تشجيع الفلاحين على تسليم محصولهم من القمح، ومن أهم المحفزات التي تتبعها، تقديم السعر المجزي، إلا أن بورصة القمح العالمية، وما تعرض له الفلاح من ضغوط هائلة تتعلق بتأمين مستلزمات العملية الزراعية، تجعلنا ننظر إلى موسم الحبوب بمنظار مختلف. لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن الفلاح واجه تحديات موسمه الزراعي الحالي وحيداً، لم تقف إلى جانبه أي جهة كما يجب، لاسيما تجاه تأمين المازوت لزوم الزراعة، ومن هنا تأتي الانتقادات اللاذعة للحكومة على الأسعار التي حددتها، ثمناً لطن القمح (61 ألف ليرة) أو الشعير(48 ألف ليرة). هل تظن الجهات المعنية أنها تقدم هامش ربح يصل إلى 25% من كلفة الانتاج؟ هل أجرت هذه الجهات دراساتها الاكتوارية، وحساباتها، على أساس ليتر مازوت 80 ليرة، أم أخذت بعين الاعتبار أنها لم تستطع تأمين الكميات المطلوبة من المحروقات، فهرع الفلاح إلى السوق السوداء لتأمين المادة بسعر عال، تجاوز أحياناً 200 ليرة لليتر الواحد. ويمكن لأي مسؤول أن يراجع ـ كنوع من الذكرى المريرة ـ الفترة التي كان الفلاح يطالب الجهات المعنية أن تؤمن له بعضاً من مستلزمات الإنتاج، ويكتشف الطرق البائسة والفوقية التي كان الفلاح يُعامل بها، والردود غير الموضوعية التي كان يسمعها. أمضى فلاحنا فترة عصيبة، وخطيرة، لكن محاسن المصادفات أسعفته، فالأمطار الوفيرة هذا الموسم، أدت إلى تخفيف الكلف، رغم أن التخبط الحكومي في تحديد أسعار المحروقات لعب دوراً سلبياً في حياة فلاحينا، الذين أصروا على زراعة أراضيهم بمحبتهم العارمة لأرضهم، وعشقهم اللامحدود لها. الفلاح السوري صانع الأمن الغذائي، هو الذي يقدم بلا حدود من أجل تنفيذ سياسات زراعية لا تدعمه بالمعنى الكامل للكلمة. والآن موسم استلام الحبوب على الأبواب، والحكومة حددت مراكز استلام الحبوب، وتعهدت بتأمين المحروقات لزوم الحصاد، وقطعت على نفسها عهداً بتسديد قيم الحبوب بأسرع وقت، خلال يومين من وصول القوائم من مراكز الاستلام لفروع المصرف الزراعي، لكن هل تكفلت جهة واحدة من بين الجهات المسؤولة والمشرفة على موسم الحبوب بتأمين الحماية لفلاح يصعب عليه توريد محصوله لمراكز الاستلام؟ ما قدمته الحكومة لا يتجاوز أقل ما يمكن تقديمه، في حده الأدنى. إذ من السهل جداً، استقبال فلاح مع محصوله في مركز الاستلام، ولا توجد أعباء على أحد في هذا المجال، هذه عملية بسيطة وغير معقدة، لكن ليحدثنا أحد من المعنيين عن عبء نقل المحصول، وعن مشكلة الحصاد، وصعوبة الوصول إلى بعض الحقول، وغيرها من العقبات التي تحتاج إلى عمل، وإلى جهود كبيرة، وليس مجرد اجتماعات تحفز الفلاح، وتطلب منه، تسليم محصوله، وفي النهاية اتباع أسلوب دبر رأسك.

بصراحة أسعار القمح ليست مجزية، ولاتحفز الفلاح، وهذا لايعني أن الفلاح المتمسك بأرضه لن يسلّم محصوله للدولة، بل على العكس تماماً، لكن السؤال: ألم يحن الوقت لوضع سياسة اقتصادية زراعية محابية للفلاح؟

العدد 1107 - 22/5/2024