اتساع معنى التشاركية في مصانع القرار

قال لي جدي الحكيم مرة: (يا بني.. إن شباباً بلا شيّاب راحوا شتاتاً، وإن شيّاباً بلا شباب ضاعت حقوقها..)، ظلّ صوت جدي وهو يردد هذه الحكمة يلاحقني طيلة فترة الحرب، فلا أجد نفسي أفهم معنى ما ردده مراراً على مسامعي، إلى أن وجدتُ أن أجمل سني شبابي وعمري قد استُهلكت في حرب لا أملك قرار وقفها، ولا أملك أنا الشّاب قرار إصلاح ما ترسمه من دمار على نفسي وذاتي، فلا أفهم شيئاً مما يجري حولي، ولمَ تخسر بلدي وسواها من البلدان ثمرات شعوبها في الحروب، التي تحصد أرواح الشباب وطاقاتهم الأثمن والأغلى لصنع المستقبل، وحينئذٍ عرفت أني قد ذهبت شتاتاً، وتذكرت أيضاً أن جدي قد توفي وهو يكافح ويكد حتى بداية الحرب، لكنه خسر بعد وفاته أن يبقى قبره في بضعة أمتار ممّا جنى قرب منزلنا الكبير، فضاع حقه حيّاً وميتاً، وضاع كل ما جناه.

فلا بدَّ من الوقوف للحظة مع الذات، ومواجهة مسؤولية تاريخية تقع على كواهل الشيّاب حفظاً لحقوقهم، وقفة تضمن أن لا شتات لشاب أو طفل، ولا تهميش لصاحب المسؤولية الأكبر والمدين بالفاتورة الأعظم.. وأخيراً جاءت هذه الوقفة لأول مرة في العصر الحديث عبر مجلس الأمن الدولي تبنّى رسمياً واعتمد جدياً وبالإجماع القرار رقم 2250 تاريخ 9/12/2015 حول (الشباب والسلم والأمن)، الذي يعطي بموجبه فئات الشباب المحددة عمرياً ما بين (18- 29) أحقية وجودهم في مراكز صنع القرار حول العالم، لأنهم المستنزفون في كل نزاع مسلح. فليكن لهم الدور في منع النزاعات، وتوفير بيئة وسياسات وإمكانيات، يمتلكون القدرة عليها، للإسهام في تعزيز ثقافة السلام والتسامح واحترام الأديان، الأمر الذي يتطلب إدماج الشباب في مجتمعاتهم بشكل فاعل ومؤسسي ورسمي، والنهوض بمستوى التعليم والعمل لجعلهم بشكل دائم كوادر بناء، لا أدوات هدم وتقويض، أو أدوات إجرام وتخريب.

ودعا القرار الجهات الفاعلة المعنية إلى مراعاة مشاركة الشباب ومعرفة وجهات نظرهم، وبضمن ذلك عند التفاوض بشأن اتفاقيات السلام والاتفاقيات التنموية ولو على الصعيد الداخلي.

إن كل هذا يعزز ويتمم احترام حقوق الإنسان وخاصة للشباب أعمدة المستقبل، وبذلك يكون سلب الحق والقرار وفرض الموت والشتات أمراً ليس بخارج قبضة الشباب أو مُكرهاً عليه، لعلّها صحوة الحاضر المُغيّب، وولادة عهد جديد سيكون فيه للبشرية ربيع.. من يعرف؟ ففي التاريخ عشرات السنين لا تساوي يوماً واحداً، بينما فيه أيام تساوي عشرات السنوات والأحقاب، فاحجز أيها الشباب العربي تذكرتك إلى النهوض والإنجاز والحضارة.

العدد 1107 - 22/5/2024